في عام ٢٠٠٥ كنت أشارك في برنامج "الاتجاه المعاكس" بقناة "الجزيرة" مع أحد علماء الأزهر، وكانت الحلقة حول عِصْمة الصحابة رضوان الله عليهم بمناسبة تعرض الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة لشخصية الصحابي عمرو بن العاص.. وانتهت الحلقة، وفي اليوم التالي حزمت حقيبتي للسفر، وفي الطائرة شرفتني الأقدار بالجلوس بجانب الراحل العظيم البابا شنودة؛ فقد كان يحضر مؤتمرًا للأسرة في الدوحة آنذاك، كنت أعرفه عن قُرْب فتحدثنا في عِدَّة قضايا؛ منها موضوع الحلقة والمؤتمر وما دار فيهما.. وسرعان ما استأذن البابا المعظم في الذهاب إلى الحمام، وإذا بالعالم الأزهري يدخل رأسه من بين المقعدين حيث كان يجلس خلفنا مباشرة ويقول لي: يا مولانا ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم. وقهقه بصوتٍ مرتفع! الغريب أن البابا كان يتحدث عن ذات العالم الأزهري بشكل إيجابي قبل دقائق، وسرعان ما أحسست بغُصَّة في النفس نقلتها لشيخ الأزهر آنذاك الدكتور محمد سيد طنطاوي، وبعدها للرئيس الأسبق محمد حسني مبارك عن طريق سكرتيره الخاص؛ فالرجل كان قد شغل مناصب عديدة في جامعة الأزهر، منها: رئيس قسم، فعميد، فنائب رئيس جامعة ،ثم رئيس جامعة، وسرحت بفكري بعيدًا متسائلًا: كم طالبًا أشرف هذا الأستاذ على رسالته العلمية؟! وكم منهم تخرج على يديه مقتنعًا بكلامه وأفكاره؟! وفهمت لماذا تجذَّرت الفتنة الطائفية في بلادنا.. رحم الله البابا شنودة الذي حمل على كتفه عبء التقريب بين وجهات النظر وتوعية شباب الأقباط بضرورة عدم الانجرار وراء مشاعرهم وآلامهم أحيانًا من جراء بعض الأحداث حفاظًا على بلادهم.. وحمى الله أرض الكِنانة من كُلِّ شر.