تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
أكتب هذه الكلمات بخليط من مداد سعدي يوسف وسيد حجاب وكل العابرين من هنا.. كل الغرباء وكل العاشقين وكل الرافضين.. كل الأولياء وكل المذنبين وكل المستغفرين.. كل الملوك وكل المماليك وكل الأحرار في الأصفاد.. كل من ضحكوا ومن بكوا.. من تغنوا ومن تمتعوا بعشقها ومن تألموا.. أكتُب بمدادها الذي لا يجف وبمددها الذي لا ينقطع
هنا القاهرة
هنا القاهرة
الزاهرة العاطرة
الشاعرة النيّرة
الخيّرة الطاهرة
..........
ونأتي القاهرةْ
مثلَ ما نأتي إلى جَدَّتِنا بعد طوافٍ خائبٍ
أيتُها الـجَدّةُ:
كم أرهَقَنا العالَمُ!
يا أيتها الـجَدّةُ:
ضُـمِّــينا إلى أحفادِكِ المنتظِرين
وأنا أعيش المعاناة اليومية كغيري من المصريين.. أكتبه وأنا معترض على بعض الأمور.. أكتبه بالشعور وبالإحساس وبالقلب وإن رفض العقل بعض الأشياء.
أكتبه مع احتفاظي بحق الاختلاف دون التشكيك في وطنية وصدق أحد.. أكتبه وأنا أدرك تماما أن تركة الفساد ثقيلة ومشكلاتها كبيرة وربما عصية الحل.
أكتب عما يجري في كل شبر في مصر.. وأؤمن أن الغد أفضل لأن النوايا صادقة لوضع مصر في مكانتها التي تستحقها.
سؤال كان يراودني كلما زرت المناطق الأثرية في القاهرة ورأيت يد الإهمال تضرب كل مكان فيها.. لماذا نفعل ذلك؟ لماذا تترك الدولة الآثار تُهان؟
كنت أبكي على الأطلال وأنا أرى أكوام القمامة والعشوائيات تحيط بأثر لو كان لدى غيرنا لكان مزارا عالميا تنحني في حضرته الأعناق وتخشع من جلاله الأبصار.
سنوات طوال فقدنا فيها تاريخنا وقيمة الأشياء لدينا.. ثم تشاء الأقدار أن نستيقظ لنزيل الثرى من على جباهنا وأعيننا ونرى الأشياء كما يجب أن نراها.. لنكف عن العبث بتلك الحضارة التي ورثناها.. لنعلن للعالم أننا امتداد لها.. وإن انقطعت بيننا السبل حينا من الدهر.
لذا أرى مشروع إحياء القاهرة التاريخية.. صرخة بعث جديد من العدم.. عودة للحياة بعد سنوات من الممات، فإن التدخل الذي ستشهده القاهرة الفترة المقبلة سيكون غير مسبوق، نظرا لشموليته، إذ أنه لن يقتصر على ترميم أثر أو شارع واحد ولكن سيتضمن ترميم الآثار والتطوير المجتمعي وإحياء الحرف من جديد ورفع المستوى المعيشي في مناطق أبواب النصر والفتوح ومسجد الحاكم، والتي تحتوي على بعض الوكالات القديمة للتجار عند وصولهم للقاهرة، حيث كان يضع التاجر بضاعته في الدور الأرضي للوكالة ويسكن في الدور الأول للوكالة، وسيتم إحياؤها وتوظيفها وتحويلها لفنادق صغيرة في حدود 22 أو 30 غرفة.
كما سيرى باب زويلة، مرة أخرى النور، ذلك الأثر، وما يحيطه من مبان أثرية مثل نفيسة البيضاء ومسجد المؤيد شيخ، والذي سُجن فيه السلطان المؤيد، وقال إنه إذا خرج من السجن سيبني مكانه مسجدا، وبالفعل تم بناؤه، إضافة لقصبة رضوان والخيامية.
ونحن نعيد اكتشاف آثارنا نعيد اكتشاف أنفسنا.. نعيد حلقات الاتصال التي افتقدناها.. وليس أدل على ذلك من زيارة الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، الذي أزال الخوف من نفوس ساكني تلك المناطق وشحذ الهمم وآثار الحمية ليصطفوا جميعا خلف الدولة لإتمام هذا المشروع التاريخي العملاق.
لذا أقولها لكل المتوجسين الخائفين.. أقولها لكل المصريين:
أبشروا فإن الروح المصرية قد عادت وسنرى مصر كما كنا دوما نتمناها أن تكون.
سنراها كما كانت في أعين سعدي ودرويش. سنراها كما كتب عنها عمنا سيد حجاب: «هنا القاهرة الزاهرة العاطرة..الشاعرة النيّرة الخيّرة الطاهرة.. هنا القاهرة الساخرة القادرة.. الصابرة المنذرة الثائرة الظافرة».. لا كما غناها «عنبة والدوبل زوكش».. وبينهما سنوات عجاف.