سمع على بن الحسين رجلًا يدعو: اللهم أغنني عن خلقك، فقال له: ليس هكذا، إنما الناس بالناس، ولكن قل: اللهم أغننى عن شرار خلقك. وقيل لعمر بن عبدالعزيز: يا أمير المؤمنين: إن الناس قد تمردت وساءت أخلاقها، ولا يُقومها إلا السوط، فأجاب: كذبتم، فإنما يُقومها العدل والحق.
للعدل والحق وخيار الناس وشرارهم والملوك والأمراء والوعاظ حكايات تروى مواقفهم ونوادرهم وطرائفهم.. حكايات تعج بها كتب التراث الغنية بها مكتبتنا العربية، وقد اختار منها الباحث حاتم صادق ثلاثمائة وخمسين حكاية، وموقفًا في كتابه «مواقف وحكايات من قلب التراث»، ومن الحكايات التى أوردها الباحث في كتابه: يحكى الطبرى أن المسلمين عندما انتصروا على جيوش كسرى وحملوا سيفه وجواهره وقدموها إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، قال: إن قوما أدوا هذا لذوو أمانة، فوجه على بن أبى طالب كلامه إلى الفاروق قائلا: عففت فعفت الرعية ولو رتعت لرتعوا.
ومما يروى عن عمر بن الخطاب أيضا أن عمرو بن العاص بعث إليه بعد فتح مصر قائلا: إنا قد اختططنا لك دارا عند المسجد الجامع، فكتب له عمر: أنى لرجل بالحجاز تكون له دار بمصر! وأمره أن يجعلها سوقا للمسلمين.
وذكر ابن الأثير في كتابه البديع (الكامل في التاريخ): كان الوليد بن عبد الملك صاحب بناء واتخاذ المصانع - أى القصور- والضياع فكان الناس يلتقون في زمانه فيسأل بعضهم بعضا عن البناء، وكان سليمان بن عبدالملك صاحب طعام ونكاح، فكان الناس يسأل بعضهم بعضا عن الطعام والنكاح، وكان عمر بن عبدالعزيز صاحب عبادة، فكان الناس يسأل بعضهم بعضا عن الخير: ما وِردك الليلة؟ وكم تحفظ من القرآن؟ وكم تصوم من الشهر؟
وفى إحياء علوم الدين يقول أبو حامد الغزالي: لا تسمح نفوس السلاطين بعطية إلا لمن طمعوا في استخدامهم، والتكثر بهم، والاستعانة بهم على أغراضهم، والتجمل بغشيان مجالسهم، وتكليفهم المواظبة على الدعاء والثناء والتزكية والإطراء في حضورهم ومغيبهم. فلو لم يزل الآخذ نفسه بالسؤال أولا، وبالتردد في الخدمة ثانيا، وبالثناء والدعاء ثالثا، وبالمساعدة على أغراضه عند الاستعانة رابعا، وبتكثير جمعه في مجلسه وموكبه خامسا، وبإظهار الحب والموالاة والمناصرة له على أعدائه سادسا، وبالتستر على ظلمه ومقابحه ومساوئ أعماله سابعا، لم يُنعم عليه بدرهم واحد، ولو كان في فضل الشافعي!
ويُحكى أن أحد القضاة رد رجلا لأنه حضر مائدة السلطان.. فقال الرجل: كنت مكرهًا.. فرد القاضي: رأيتك تقصد الأطيب، وتكبر اللقمة. وفى هذا يقول سفيان الثوري: في جهنم وادٍ لا يسكنه إلا القراء الزوارون للملوك.
ويحكى أيضا أن سقّاء دنا من فقيه واقف بباب أحد السلاطين، فسأله عن مسألة، فقال الفقيه: أهذا موضع السؤال؟ فرد السقاء: أوَ هذا موضع الفقيه؟!
ويقال إن الخليفة المنصور كتب إلى جعفر الصادق في إحدى المرات: لمَ لا تغشانا كما تغشانا الناس؟ فأجابه الإمام: ليس لنا ما نخافك من أجله، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له، ولا أنت في نعمة فنهنيك، ولا تراها نقمة فنعزيك، فما نصنع عندك؟! فكتب المنصور إليه: تصحبنا لتنصحنا. فأجابه جعفر: من أراد الدنيا لا ينصحك، ومن أراد الآخرة لا يصحبك.
زار أحد الولاة الإمام أنس بن مالك، وسأله النصيحة، فأثنى بعض الحاضرين على الوالي، فغضب الإمام مالك صائحا في الوالي: إياك أن يُغرك هؤلاء بثنائهم عليك؛ فإن من أثنى عليك وقال فيك من الخير ما ليس فيك أوشك أن يقول فيك من الشر ما ليس فيك.. أنت أعرف بنفسك منهم.