الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

القيود الغالية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعد فراغي من قراءة قصيدة فدوى طوقان (القيود الغالية) وجدتني أسأل نفسي: لماذا صورت الشاعرة القيود حين نحب بكل هذا الجمال والرقي؟ وكأن القيود شيء جميل، بل وكأننا نسعى للقيود أحيانًا. فهل تلك هي الحقيقة؟ 
ولد الإنسان حرًا من كل شيء حتى من ملابسه، ثم تفنن في إضافة قيد جديد كل لحظة يعيشها في الحياة، فتعلم الكلام وقيد أفكاره بقدرة الآخرين على معرفة جزء كبير منها ومحاسبته عليها، وتعلم الحركة وقيد نفسه بتوابع مسئوليته عن حركته، وتعلم ارتداء الملابس وقيد نفسه بشكل مميز لها ككيها مثلًا. الإنسان هو من نظم حياته على هذا النحو، ومفهوم النظام هو سلسلة من محددات الخطوات نحو شيء، وهذا التحديد قيد. 
فإذا كان مفهوم النظام قيود هل يعني ذلك أن الشعوب الفوضوية أكثر حرية؟ وهل الفوضى هي قمة الحرية مادامت هي الأكثر بعدًا عن القيود؟ ربما يقول الواقع غير ذلك، ويصف الكثيرون حولنا الكثير من الشعوب المنظمة في ممارسة حقوقها بأنها تتمتع بالحرية. قد يعني هذا أن الإنسان يرى الحرية في داخله مجموعة من القيود لحركة الآخر أحيانًا، وهو أمر يتناقض مع فكرة أن الحرية هي إلغاء القدر الأكبر من القيود عمومًا. 
وإذا كان الفيلسوف الروماني سينيكا قال: "الشجاع يكون حرًّا" والمؤرخ اليوناني ثيوسايدس يرى أن الحر سعيد لأن الشجاعة سر الحرية - في إشارة إلى أن كونك شجاعًا لتكسر القيود سيهبك السعادة وتلك السعادة تأتي مع الحرية - فالأمر يتجاوز ذلك، لأن حالة الحرية المطلقة في حد ذاتها حين تتحول لنمط حياة أنت معتاد عليه ربما تلزمك بألا تغير هذا النمط ومن ثم يتحول النمط لقيد، أي تتحول الحرية لقيد. ونصبح أمام فكرة: كيف تتحرر من حريتك؟! 
يرى فولتير أن لا قيمة للفضيلة دون حرية، لأنك لا تختار القيام بالفضائل دون حرية ومن ثم فأنت لا تكون فاضلًا وإنما يكون الشخص الذي يفرض عليك أفعالك هو الفاضل ومن ثم لا يمكن أبدًّا أن نقول أنك من أهل الخير إذا لم تملك القدرة على اختيار الخير، لكنك على الجانب الآخر تجد برتراند راسل يرى أن الحرية الحقيقية ليست الحق الذي يجيز للإنسان أن يختار الشر، وهو رأي يناقض فكرة فولتير أحيانًا، إذ يرى هذا الرأي أننا يجب أن نقيد حق ممارسة الحرية بالخير، ولكن ألم يكن المجرمون أحرارًا حين ارتكبوا جرائمهم؟! 
إن الأمر محير، وربما ينتهي بنا إلى فكرة واحدة هي أن الحرية نسبية وتتحقق حين تشعر أنك غير مقيد بقيد يقهرك حتى لو لم تكن كذلك.