الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

كتاب القيم بين جوهر التدين وأزمة الأخلاق!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
توجهت إلى إحدى المصالح الحكومية برفقة ابنتى الكبرى لإنهاء بعض الأوراق الخاصة بها، فلما لاحظت تلكؤ الموظف بشكل عمدى وضعت يدى في حقيبة ابنتى فوجدت ٢٠ جنيها وقطعتى شيكولاتة قدمتهما للموظف بشكل تلقائى، التقط ال٢٠ جنيها واعتذر عن الشيكولاتة قائلًا: "معلش أصلى صايم اثنين وخميس".

نشر هذه الواقعة قبل أيام الكاتب والأديب السعداوى الكافورى على حسابه الشخصى بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وأظن أنها تكررت مع أغلبنا خلال تعاملنا داخل معظم المصالح الحكومية.

غير أن هذه الواقعة تتكرر بصور مختلفة في أغلب تعاملاتنا حتى داخل شركات القطاع الخاص، وسلاسل المحال التجارية الكبرى والجمعيات الاستهلاكية، فلا يمكنك في الأغلب الحصول على بضاعة جيدة إلا إذا دفعت بشئ من المال إلى الموظف أو العامل المختص، إلا من رحم ربى.

ويكشف تلقائية سلوك الموظف بقبول مبلغ العشرين جنيها (الرشوة) ورفض الشيكولاته؛ أن أزمة الأخلاق والضمير قد باتت مزمنة في مجتمعنا المتدين بطبعه بحسب المقولة الشهيرة؛ ما يعنى أن التدين عندنا حالة منفصلة تمامًا عن حالة الأخلاق والضمير.

بمعنى آخر أن انتشار ظاهرة الحجاب والنقاب واللحى الطويلة وتسابق المصلين على المساجد؛ لا يعنى أبدًا أننا نعيش في مجتمع ملتزم أخلاقيًا ولديه ضمير حى، فالتدين عندنا نقرة.. والأخلاق نقرة أخرى.

قبل أكثر من ٢٠ عامًا اتهمت مسئولة كبيرة في وزارة الزراعة وآخر بالتورط في جلب شحنات مبيدات زراعية مسرطنة، وفى السياق ظهرت شائعة تفيد بوجود علاقة خاصة غير مشروعة بين المسئولة الكبيرة وشريكها؛ حينها أدلت تلك المسئولة الكبيرة بتصريحات لإحدى الصحف قالت فيها (ربما أكون مرتشية لكنى لست منحرفة جنسيًا) وكان ذلك المانشيت الذى اختارته الصحيفة لتكشف من خلاله وعى المسئولة المتهمة بأن قيم المجتمع المصرى قد تتسامح مع المرتشى لكنها أبدًا لا تغفر للمنحرف جنسيًا وكأننا اختصرنا مفهوم الأخلاق والضمير على ما يشوب العلاقات الشخصية وشارب الخمر دون المرتشى والسارق والمهمل.

لا أظن أن أحدًا من المهمومين بقضية الأخلاق والضمير، أو دارسى علم الاجتماع والانتربيولوجى لا يعى حقيقة أن شيوع ظاهرة الرشوة بمسمياتها المختلفة مثل (الشاى والحاجة الساقعة) قد ترافقت مع شيوع ظاهرة الحجاب والنقاب والجلباب القصير وما أسمته الحركات الإسلاموية زورًا بالصحوة الدينية فيما لم تشكل صور الفساد المختلفة ظاهرة ملحوظة في المجتمع المصرى على الأقل في خمسينيات وستينيات القرن الماضى عندما كانت أمهاتنا وجداتنا يمشين حاسرات الرأس يرتدين ملابس الحشمة العادية التى تتفق وطبيعة الشخصية المصرية.

شيوع الكتب الدينية بأنواعها الرصينة والصفراء ودروس الوعظ التى تطورت إلى برامج دينية ودعاة جدد يرددون في أغلب الأحيان فتاوى شيوخ الميكروباص لن ينعكس على أخلاق المصريين بالإيجاب بل كان سببًا مباشرًا في انهيار منظومة الأخلاق والقيم الإنسانية والجمال والعدل، وأصبح اللجوء إلى التكنولوجيا وميكنة الخدمات الحكومية هو الحل الأسرع لمحاربة الفساد وما ارتبط به من قيم متطرفة لا تقبل الآخر وتصنف المصريين بين مسلم ومسيحى؛ فالخطاب الدينى السائد لم ينعكس سلبًا فقط على منظومة الأخلاق والضمير وإنما كاد أن يعصف بقيم المواطنة أيضًا.

كتاب القيم وقبول الآخر الذى نحن بصدد إقراره كمنهج دراسى، ربما يكون الحل لتطهير المجتمع مما لحق به من تشوهات تكمن خطورتها ليس فقط في شيوع قيم الفساد وتمريرها وتبريرها عبر سلسلة من الحجج الواهية وإنما أيضًا في تأثيرها السلبى على الهوية المصرية لذلك كان من الطبيعى مناقشة هذا الكتاب وما سينطوى عليه من منهج دراسى داخل لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس النواب ذلك أن الهوية المصرية تمثل أحد أبعاد الأمن القومى طبقًا للتعريفات الحديثة لهذا المصطلح.

وحسنًا فعل الرئيس عبد الفتاح السيسي عندما وجه بقصر تدريس آيات القرآن الكريم على مادة الدين وحذفها مما عاداها من الكتب الدراسية حتى لا يترك أمر تفسيرها لغير المختصين الذين قد يكون من بينهم متطرف أو متشدد أو متزمت فوق أنه غير ذى علم.

فيما سيلتزم مدرس مادة الدين بالتفسير المذكور في الكتاب الدراسي وإن كان الأمر يتطلب مع ذلك رقابة حصيفة على المدرسين فما زلنا لم نتخلص بعد من شظايا الخطاب الدينى الذى أفسد على الناس حياتهم ودينهم.

بقى القول إن كتاب القيم واحترام الآخر ومهما كان محتواه راقيًا لن يجدى نفعًا مع استمرار سيطرة الفن الهابط من غناء ودراما وموسيقى فللأسف مازال إعلامنا يحتفى بمطربى المهرجانات ومازلنا جميعًا لا نكترث بأمر الثقافة.