تحتفي الأمة العربية والإسلامية بذكرى إسراء ومعراج النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، وبمناسبة تلك الذكرى العطرة كانت صفحات التواصل الاجتماعي على موعدٍ مع ترندات اعتدنا أن نراها في رحلة البحث عن جنون الشهرة والعظمة، فنرى قارئا يصف نفسه تارة بـ"الكروان"، وآخر "نمبر وان".
كانت حكايته عن عروجه إلى السماء السابعة أشبه بزلزالٍ يكاد أن يعصف به وبشهرته التي ربما توهم لوهلة أنه تربع بها على عرش دولة التلاوة فزاحم ساداتها وتخطى حناجرها الذهبية دون تأدب أو مراعاة لأدب الحديث عن القرآن الكريم ولمقام سيد الخلق.
أضغاث أحلام وأوهام قارئ المآتم هذا ظن بها أن حديثه المتكرر في وسائل الإعلام عن عروجٍ عظيم يجعله في مكانة طيبة عند المولى عز وجل لم يتوقف عند حد وصف نزول الملك وكأنه شخص لا يهم وضعه في مكانته بحكم أنه ملك مقرب، بل إن قصة عروجه للسماء السبع والتي بالغ بخياله فيها، ليقول:"رأيت النجوم من تحت قدمي، وقال لي شخص أعتقد أنه رسول من الله: حان الآن لنصعد إلى الله، ورويت هذه الرؤيا على الكثير وأجمعوا أنّني في مكانة جيدة وأنّ الله يحبني، ومؤخرًا فسّرها لي صديق أثق في تعبيره للرؤى، أنّ الله يحبك ويسمعك واستمر في طريقك وصوتك مسموع فوق"، قد تكون مقبولة لو ترك للناس الحكم على رؤيته دون أن يقاطع من يوجه إليه حديثه "مكنش اعتكاف" إلى غيرها من التفاصيل التي سبقتها تنهيدة "أيون" في إجابته "هل رأيت الله؟" وكأنه يحاول أن يبرر ما وصل إليه من تعالٍ وجنون شهرة جعلته يدعي أنه "نمبر وان" قبل أن ينل حظه من السخط "فيس بوكي" الذي دفعه للتراجع.
ولست هنا في موضع الحكم على رؤيته في أنه قد نال حظًا من رؤية طيبة فهناك من الفقهاء من قال بأن رؤية الله عز وجل في المنام ممكنة على جهة التأويل وليست على جهة الحقيقة، ومنها قول ابن الباقلاني: "رؤية الله تعالى في المنام خواطر في القلب، وهي دلالات للرائي على أمور مما كان أو يكون كسائر المرئيات"، لكني أتحدث عن آداب الرؤية التي يفتقر القارئ كثيرًا منها.
فالغضب الشعبي هذه المرة على تلك التصريحات ربما لم يكن جميعها حاقدة على القارئ مدعي الشهرة الواسعة، بل كان أغلبها تعبيرًا عن رفضٍ لتعدٍ وسوء أدبٍ مع المقام النبوي الشريف في اختلاق رواية على غرار إسراء ومعراج النبي محمد لتكون دليل على عظمة قراءته فانتهت به مُحالًا للتأديب من قبل نقابة القراء مصاحبًا لقرارات تأديبية لم يكشف عنها بعد.
ولنا وقفة ونصيحة وعظة سطرتها كتب السنة النبوية وحفظها القرآن الكريم عن صاحب الخُلق الرفيع والأدب الجَمْ في تعامل النبي مع رؤياه- مع الفارق الكبير بين مقام النبي وبين أن نقارنه بأحدٍ مهما بلغ لكنها وسيلة للتعلم من القدوة الحسنة والمُعلم الذي بعثه ربه ليخرج الناس من ظلمات الجهل ـ، فلم يكن النبي مفاخرًا قومه وهو من اصطفاه ربه على أبيه آدم عليه السلام ومن بعده أبيه الخليل إبراهيم عليه السلام وذريتهما، فكان عبدًا أسري به ليلًا إلى المسجد الأقصى فصلى بجميع إخوته من الأنبياء والرسل وعُرج به حتى بلغ سدرة المنتهى، عرض عليه نعيم وشقاء العباد ما بين جنة ونار، ودناه ربه دون أن يكون لقائهما مشفوعًا بخلع النعلين أو من وراء حجاب على غرار الكليم موسى عليه السلام، ومع تلك المكانة والعظمة كان حديثه مع قومه الذين قابلوه تكذيبًا وإعراضًا بأدبٍ دفع أحدهم لتصديقه دون مراعاة لأي ردة فعل قد تناله أو تنل صاحبه فيقول الصديق أبا بكر: "والله لئن كان قال هذا الكلام فقد صدق، فوالله إنّه ليخبرني أنّ الخبر يأتيه من الله من السّماء إلى الأرض فأصدّقه".
فقد نكون جميعنا إما حالمين وإما واهمين لكن تبقى أدبيات الحديث دليل صدق صاحبها أو دليل كذب وإدعاء، فلأنه صادق الرؤية متواضع بين قومه حرص على إخبارهم بما رأي غير متحسب أو مكترث بإيمان أو كفر قومه فكان الوصف دقيقًا ليس فيه تجرؤ على خالقه فكان القرآن داعمًا لحديثه فقال جل وعلا: " ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ (9) فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ"، ودعمه في أمر الملك المنزل عليه ليسري بيه ويعرج معه إلى السماء فقال:"وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ".