الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الصعيد مصنع النهضة والكرامة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نصف نكاتنا للأسف، هي عن الصعايدة منذ القدم وتبدأ عادة بمرة واحد صعيدي، وأصبح ذلك صورة ذهنية يضعها أى شخص في اعتباره عند تعامله مع أحد الصعايدة، وأنهم غير قابلين للنقاش، ولعل الكثير من الأفلام هى ما دعمت إبراز الشخصية الصعيدية بهذا الشكل الكوميدى. بدأ تكوين الصورة العامة للصعيد، من خلال الأعمال الفنية التي قدمت الصعيدي في صورة الشخص الذي لا يفقه شيئًا، ويمكن الضحك عليه بسهولة، وهو ما نراه جليًا في شخصية "العمدة عبدالرحيم كبير الرحمانية قبلي ونجله"، اللذان ظهرا في الأفلام "الأبيض وأسود"، مُعبرين عن شخصية "الصعايدة" بالاستهانة وعدم القدرة على تقدير الأمور. وكانت تلك الصورة، من أكثر الصور التي ارتبطت بالشخص الصعيدي في أذهان الكثيرين لعقود، بخلاف ارتباط اسم الصعايدة بالعديد من النكات، الأمر الذي استاء منه أبناء هذا المجتمع لأنه لا يعبر عنهم، حيث إن شخصية "كبير الرحمانية" لم تكن موجودة في الصعيد من الأساس ولا تعبر عن الصعايدة من قريب أو بعيد، حتى جاء محمد صفاء عامر ابن محافظة قنا وأعاد الوجه الحقيقى للمجتمع الصعيدى، من خلال مسلسل «ذئاب الجبل» في أوائل تسعينيات القرن الماضى، ليحدث انقلابا حقيقيا في الدراما الصعيدية، اجتماعيا وثقافيا ولهجة، ثم أكملها بمسلسل الضوء الشارد، إلا أن حقيقة "تقفيلة دماغ" الصعايدة نابعة عن حسن التقدير التى تجعل الشخص منهم يقدر الأمور ويختار بشكل صحيح مما يجعله مصرا على رأيه وقادر على تحميل المسئولية الكاملة مع كافة أفعاله. وربما تكون المستويات الاجتماعية والاقتصادية في بعض مناطق الصعيد ضعيفة للغاية ويكاد بعض الأشخاص لا يجدون قوت يومهم أولا يمتلكون أى وسائل للراحة أو الترفيه مثل البقية، إلا أنه في نفس الوقت يعتبرون أغنياء بالمقارنة ببعض المظاهر التى ربما تجدها في القاهرة، فلا يوجد في الصعيد من لا يجد مسكنا لينام فيه، كما لا يمكن أن ترى طفلا صغيرا أو رجلا كبيرا ينام في العراء والعلم فإن الصعيد والصعايدة هم مهد حضارة مصر وهم بناة حركة عمرانها الحالية وهم محرك ووقود نهضتها القادمة، إلى جانب إخوتهم في باقي أرياف ومدن مصر شمالا وغربا وشرقا.
والصعيد هو مصنع الرجال ومنبع العلم والعلماء ومركز المال والقوة والصبر والجلد والكرامة ثم إن تاريخ مصر، انطلق من الصعيد، وأن حضارات ما قبل التاريخ عن أول وجود لمصريين على أرض الكنانة كان في الصعيد، وتحديدا في نقادة، بقنا، والبدارى في أسيوط، والفيوم، وعندما توصل المصرى للكتابة، وبدأت العصور التاريخية، وتدشين الأسرة الملكية الأولى، ظهر الملك مينا، واستطاع توحيد مصر، واستمرت مصر قوية ومزدهرة طوال الدولة القديمة، حتى عاد الانهيار في عصر الانتقال الأول، ولم تخرج البلاد من تلك الفترة المظلمة التى استمرت عشرات السنين، إلا على يد منتوحتب الثانى، الذى أعاد توحيد البلاد من جديد، منطلقا من قنا، ثم انهارت مصر، ودخلت في عصر ظلام جديد، واستمرت في فوضى عشرات السنين، فجاء أحمس، منطلقا من طيبة «الأقصر» حاليا، ليقود ثورة طرد الهكسوس، أسوأ محتل لمصر عبر تاريخها، واستطاع طردهم وتحرير البلاد، وتوحيدها بكل قوة، مؤسسا الدولة الحديثة، والتى أصبحت مصر في عهدها إمبراطورية كبرى. وهكذا كان الصعايدة، طوال تاريخهم، قادة كل حركات التحرر في مصر، ومثال حى للوطنية والنضال الحقيقى ضد الاستعمار، ويقدمون فلذات أكبادهم، لتأدية الخدمة العسكرية ويقفون في مقدمة الصفوف للذود عن الأرض والعرض، وقطع يد كل من تسول له نفسه الاعتداء على حفنة من تراب مصر، وعندما يعود أبناؤهم ملفوفين في كفن «علم مصر» يظهرون من الصبر والرضا، والقناعة أنهم قدموا شهداء ورجالًا.