على مدى سنوات عديده مضت- ظل الحديث عن فكرة تحقيق التكامل بين الدول العربية وبعضها البعض، وبينها وبين مصر مجرد أحلام واهية - مجرد شعارات تطرح، وليس لها وجود فعلي على أرض الواقع، وطيلة تلك العقود ظلت فكرة التكامل العربي المصري مجرد آمال تحديدا على غرار الاتحاد الأوروبي، وأن يكون هناك توجه نحو تأسيس بنك مركزي عربي - تجتمع تحت رايته كافة الاقتصاديات العربية للدول العربية- بشكل يكون بمثابة محرك قوي نحو إنشاء نظام اقتصادي عربي قوي يمتلك من التنافسية ما يعزز من تواجده عالميا وخاصة على الصعيد المصرفي تحديدا، فعندما يتم إنشاء البنك المركزي العربي، سيكون هو المصدر الوحيد لعملة عربية موحدة، وسيقوم بتنظيم الصناعة المصرفية عربيا والإشراف عليها.
دعني عزيز القارئ، وأنا اتحدث اليك من خلال هذا المقال، بأن أقولها بكل حيادية تامة ومطلقة - الدولة المصرية استطاعت أن تعيد مكانتها الاقليمية وريادتها العربيه على مدى ال٦ سنوات الماضية، فهذا التحول لم يكن ليتحقق إلا في ظل وجود قيادة سياسية تمتلك قدرا كبيرا من الحرفية في التعامل مع الملف العربي، ليس ذلك فقط - بل إن ما سعت إليه مصر بقيادتها السياسيه وقواها الاقتصادية تحديدا نحو استعادة تعزيز فكره التكامل بين مصر والدول العربيه وخاصه إقتصاديا - يمثل بادره امل نحو أن ننطلق بكل قوه للحديث عن تكامل إقتصاديا ولكن على صعيد أكثر تخصصا، وهو التكامل المصري العربي مصرفيا- ولعل التكامل المصري العربي مصرفيا قد يكون نواه الانطلاق نحو تحقيق التكامل الاقتصادي الأكبر بكافه أشكاله بين كافه الدول العربيه ومصر.
ويأتي التكامل بين مصر والدول العربيه مصرفيا في ضوء التحولات الإيجابية التي تشهدها الساحه الإقليمية والعالميه من تحديات إقتصاديه - لعب فيها النظام المصرفي في العالم ومصر خاصه الدور الأكبر في مواجهه تلك التحديات وإعاده رسم الاستقرار الاقتصادي في إطار خطط المواجهة لتلك التحديات ولعل أهمها مؤخرا التحديات الاقتصادية السلبيه لجائحه كورونا على كافه الانظمة الاقتصادية والتي إستوجبت قدرا كبيرا من الاختلاف في نظم المواجهة والتكيف مع تداعيتها السلبيه الاقتصادية، ولعل ذلك يتضح جليا فيما تم تنفيذه من إجراءات مصرفيه متميزه إتخذها البنك المركزي المصري في إطار خطة الدوله المصرية لمواجهه تداعيات جائحه كورونا الاقتصادية، ولعل إليه المواجهه التي أسس لها البنك المركزي المصري - نالت إستحسان وإشاده كافه المؤسسات المصرفيه والاقتصادية العالميه، والتي أشادت بالاحترافيه الممتزجه باستخدام احدث الأساليب العلميه المصرفيه في التعامل مع تداعيات اي اذمه عامه كانت أو اقتصاية، والتي كانت وماذالت في قدر كبير منها تعمل وفق اسلوب الاستباقيه في التعامل، وليس فقط اسلوب رد الفعل - وهو مايعني ان البنك المركزي المصري اسس لمرحله ونمط مصرفيا مختلف في اركانه واساليبه في التعامل مع الاذمات، ولعل هذا الاسلوب هو ماكانت بدايته الحقيقة فيما قام به البنك المركزي المصري في تنفيذ وتطبيق خطة الاصلاح الاقتصادى المصري في نوفمبر ٢٠١٦ برؤيه مصرفيه احترافيه مثلت الدواء المر لمعالجه كافه الآلام الاقتصادية التي اصيب بها جسد الاقتصاد المصري قبل ذلك التاريخ.
وفي سياق هذا المقال - وبالبناء على ماسبق ذكره - فإن حلم تحقيق التكامل بين مصر والدول العربيه مصرفيا - هو حلم مكتمله اركانه واليات تنفيذه، لا يحتاج سوي لخطة مرحليه لتنفيذ ملامح هذا التكامل وفق ظروف ومقتضيات الانظمه المصرفيه العربيه، والتي تتشابه إلى حد كبير في تكوين بنيانها المؤسسي والمعلوماتي، ولعل وجود بنيان معلوماتي متكامل أفريقي يحتوي على كافه المعلومات والبيانات التي تمثل داعما رئيسيا لنجاح اي نظام مصرفي فرديا كان أو إقليميا، فحريه الحصول على المعلومات وسهوله تبادلها بين الانظمه المصرفيه العربيه تعتبر نقطه الانطلاق الحقيقيه نحو نظام مصرفي عربي متكامل- تستطيع المنطقه العربيه من خلاله أن تجني مكاسب اقتصاية على الصعيد المصرفي، وأن يكون ذلك بمثابه تحرك حقيقي نحو تعزيز الشمول المالي عربيا برعايه مصرية يقودها البنك المركزي المصري، كما أن بعض الدول العربيه لديها بنى تحتية متطورة تمثل قاعدة يمكن البناء عليها لتطوير الصناعه المصرفيه عربيا، ويمكن تعزيز التعاون بين تلك الدول لنقل خبراتها لباقي الدول العربيه بما يسهم في تعزيز التنمية الشاملة للمنطقه العربيه ويدفعها لتطوير النظام المصرفي لديها بشكل يعزز من فكره التكامل العربي مصرفيا، كما أن المنطقه العربيه تخطو بقوة نحو تحقيق التحول الرقمي للحاق بركب الثورة الصناعية الرابعة والاستفادة من مكتسباتها بما يوفر بيئة ملائمة لتعزيز التكامل بين دول المنطقه العربيه على كافة الأصعدة بالاستفادة من ثورة الاتصالات والمعلومات، وهو ماقد يكون عاملا مساعدا في دعم حريه تبادل المعلومات والإستفاده منها بين كافه الدول العربيه - بما يسهم في تعزيز فكره التكامل المصري العربي مصرفيا، هذا بالإضافة إلى ان اتفاقيات التجاره الحره العربيه قد تكون داعما قويا لحريه تبادل المعلومات والإستفاده منها بين كافه دول المنطقه العربيه، ولعل ذلك مايعد عاملا قويا في إنجاح فكره التكامل العربي المصري مصرفيا.
واخيرا، فإنه لا بد أن تدرك الدول العربيه مجتمعه بأن حريه تبادل المعلومات في ظل مجتمع تجتاحه كافه اشكال العولمه بكافه صورها، فنحن الآن امام مجتمع معلوماتي منفتح على بعضه، وأصبحت حريه تبادل المعلومات شرطا رئيسيا من شروط تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، فلاحديث عن تكامل إقليمي مصرفي بدون أن تكون كافه المعلومات متاحه وسهل الحصول عليها، فحريه المعلومات لم تعد أمرا يصعب التعامل فيه، فطالما لاتتعلق بالأمن القومي للدول، فهي متاحه للتبادل والتعاون فيها للاستفادة منها، فعند النظر إلى حجم المكاسب المحققه من حريه تبادل المعلومات قاريا وخاصه اذا كنا نتحدث عن نظام مصرفيا متكامل، ولاشك أنه مع حجم التحولات الاقتصادية المصرية الإيجابية التي شهدها الاقتصاد المصري على مدى ال٦ سنوات الماضية - فلعل أهم ماتميزت به الإدارة المصرية مؤخرا هو الاستباقية في تنفيذ أية خطوات من شأنها أن تعود بالنفع على الاشقاء العرب - انطلاقا من دور مصر الإقليمي عربيا، كما أن مصر لن تتدخر أي جهدا في سبيل مصلحه الدول العربيه وخاصة الاقتصادية، لذلك فإن خطوة التحرك صوب دعم حرية تبادل المعلومات عربيا لتعزيز خطوة التكامل العربي المصري مصرفيا، وكذلك دعم خطة تنفيذ الشمول المالي الإقليمي العربي المصري في ضوء رؤيه مصر للتنميه المستدامة 2030، والتي أرى أنها قد تكون الداعم الأول بفكرة تعزيز التكامل المصري العربي مصرفيا.