وصف الناقد بـ«القاضى العادل».. واهتم بعروض الهواة مثل كبار النجوم
توقف عن الكتابة مدة عامين في التسعينات نتيجة «الكساد المسرحى»
أسرته تهدى كنوز مكتبته الخاصة لوزارة الثقافة وتخصيص جناح خاص بها
إعادة طباعة كتابين وترجمات له.. والتنسيق الحضارى يكرمه بـ«عاش هنا»
يظل اسم الناقد المسرحي فؤاد دوارة يتردد كثيرا بين الأجيال من وقت لآخر، كونه أحد علامات النقد المسرحي في الوطن العربي، وساهم بدوره في إثراء الحركة المسرحية من خلال مقالاته الجادة والصادقة، التي لا يشق لها غبار.
ويعد أحد فرسان الكلمة الصادقة الشريفة، حيث تميزت مقالاته بالنزاهة والدفاع عن الجدية والأمانة، وتوقف عن كتابة مقالاته النقدية الأسبوعية لمدة عامين في التسعينيات، نظرا لحالة الكساد المسرحي، وفي هذا الصدد قال عبارته الشهيرة:"من الصعب أن تكتب مقال نقديا جيدا عن عرض رديء دون المستوى".
قال عنه الأديب توفيق الحكيم: "إن الصفة البارزة التي عرف بها فؤاد دوارة، هي صفة "الناقد الجاد"، والجدية عنده قد بلغت حدا يمكن وصفه بالفدائية ففي دنيا الأدب جماعة من الفدائيين يكرسون حياتهم وجهودهم في سبيل عمل وهدف، مما يرونه ضروريا ونافعا بصرف النظر عما يأتي لهم بالفائدة التي يسعى اليها الناس".
زامل "دوارة" جيلا من كبار الأساتذة والنقاد الجادين، أصحاب القضية من بينهم: "الدكتور على الراعي، عبدالقادر القط، سهير القلماوي، رشاد رشدي، الدكتور إبراهيم حمادة، جلال العشري، رجاء النقاش، فاروق عبدالقادر"، وغيرهم، ليعمل كل منهم على نشر القيم وتربية النشء، وغرس كل ما هو أصيل وجدير، لمواجهة الانحدار النقدي الذي انتشر في حياتنا الثقافية والفنية خلال الأعوام الأخيرة، بسبب افتقار الحركة النقدية، ورحل "دوارة" في الأول من مارس 1996، منذ نحو ربع قرن، تاركا إرثا أدبيا ونقديا كبيرا يظل باقيا رغم رحيله.
بالتزامن مع ذكري وفاته، التقت "البوابة" نجله المؤرخ المسرحي الدكتور عمرو دوارة، للحديث عن جوانب متعددة في حياة والده الناقد المسرحي الكبير الراحل.
قال المؤرخ المسرحي الدكتور عمرو دوارة، إن الأسرة اجتمعت وقررت إهداء مكتبة فؤاد دوارة الخاصة، التي تقتني كنوز ونوادر الكتب، والمترجمات، والدراسات النقدية، والوثائق التي تخص المسرح قديما وحديثا، إلى إحدى هيئات وزارة الثقافة، على أن تخصص جناحا خاصا في إحدى الهيئات التابعة للوزارة باسم الراحل فؤاد دوارة، تقديرا لمكانته وكتبه القيمة.
وأضاف، أن الهيئة العامة لقصور الثقافة، أعادت طباعة كتاب "الإنسان والسلاح" أحد مترجمات الناقد المسرحي فؤاد دوارة، هذا العام 2021، احتفاء بمناسبة مرور ربع قرن على رحيله، ذلك الكتاب الذي صدر عن الدار المصرية للتأليف والنشر في 1962، هذا بالإضافة إلى إعادة طباعة كتابي "مسرح توفيق الحكيم.. المسرحيات المجهولة" في الجزء الأول، وكذلك "مسرح توفيق الحكيم.. المسرحيات السياسية" في الجزء الثاني لهذا العام أيضا، والذي قد صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في عامي 1984، 1987، موجها الشكر لهيئة قصور الثقافة على هذه اللافتة والتقدير بقيمة الوالد النقدية والإبداعية.
أكد دوارة، أن خزانة والده الأدبية بلغت ثلاثين كتابا، وسبع عشرة مترجمة، إلى جانب الدراسات والأبحاث النقدية، من بين هذه الكتب "سقوط حلف بغداد" في 1958، وطبعة ثانية مزيدة بعنوان "أحلاف العدوان الأمريكية" الصادرة عن دار الكاتب العربي في 1967، "في النقد المسرحي" الصادر عن الدار المصرية للتأليف والترجمة والنشر في 1965.
"العبور" مسرحية من وحي حرب أكتوبر، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في 1976، "صلاح عبدالصبور والمسرح" الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في 1982، "نجيب محفوظ من القومية إلى العالمية" الصادر عن هيئة الكتاب 1989، "تخريب المسرح المصري في السبعينيات والثمانينيات" الصادر عن كتاب الهلال في أبريل 1989، "محمد مندور شيخ النقاد"عن سلسلة نقاد الأدب، والصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 1996، وغيرهم.
أما المترجمات من بينها: "الحضيض" مسرحية مكسيم جوركي، والصادر عن دار الطباعة الحديثة بالإسكندرية قي 1953، "ثورة الموتى" مسرحية إروين شو، الصادر عن المؤسسة المصرية للتأليف والنشر في 1962، "الأدب والحياة" مختارات من كتابات مكسيم جوركي، "الإنسان والسلاح" مسرحية برنارد شو، الصادران عن الدار المصرية للتأليف والنشر في 1965، "الحياة الشخصية" مسرحية نويل كوارد، الصادر عن وزارة الإعلام الكويتية في 1971، "الفنان في عصر العلم" ومقالات أخرى، الصدار عن وزارة الإعلام العراقية في 1978، وطبعة ثانية منه في 1985، وغيرها من المترجمات.
وعن كيفية كتابة فؤاد دوارة، سؤال يطرح نفسه كثيرا لأبنائه، فيقول نجله الدكتور عمرو، إنه يقضي أسبوعا كاملا في مشقة وعناء لكتابة المقال النقدي الأسبوعي، بالإضافة إلى شهر كامل يعيد فيه الكتابة ويراجع ويصحح في هذه المقالة، فكان حريصا على أن يعطي كل ذي حق حقه، ويرى أن الناقد كالقاضي العادل ذي الخبرة بالأمور، وكان يهتم بالتجارب الشابة وعروض هواة المسرح في مختلف الأقاليم، إلى جانب اهتمامه بعروض النجوم وكبار الكتاب.
كيف أقنع «الحكيم» فؤاد دوارة بعدم إكمال الدكتوراة
يوضح لنا الدكتور عمرو نجل الراحل فؤاد دوارة، أن والده أقتنع برأي الأديب توفيق الحكيم، فلم يكمل دراسة الدكتوراة، فقد حصل "دوارة" على الماجستير في الآداب عام 1978 بدرجة إمتياز، ولكنه رأى أن إصدار كتاب جديد بمثابة رسالة علمية خاصة، وقد حقق لاسمه مكانا مرموقا بين الكتاب، وكما قال له الأديب توفيق الحكيم لم أحصل أنا ولا العقاد ولا يحيى حقي وغيرنا كثيرا على تلك الدرجات العلمية، ولكننا جميعا شاركنا في الإشراف على الباحثين كما تناولوا أعمالنا بالبحث والدراسة.
«عاش هنا»
منزل فؤاد دوارة حاليا.. فيلا قاسم أمين سابقا، وكانت وزارة الثقافة ممثلة في الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، برئاسة المهندس محمد أبوسعدة، قد أصدرت لافتة "عاش هنا"، بمناسبة مرور ربع قرن على رحيل الناقد المسرحي فؤاد محمود دوارة، ووضعت على منزله، وذلك تخليدا لاسمه وتاريخه النقدي في إثراء الحركة النقدية، تناولت اسم الناقد الراحل فؤاد محمود دوارة، إضافة إلى تاريخ الميلاد في 15 نوفمبر 1928، والوفاة في 1 مارس 1996، إلى جانب عنوان المنزل الكائن في 12 شارع سعد زغلول – السيدة زينب – القاهرة.
ويقول نجله، إن هذا المنزل قبل أن تقطنه العائلة في الفترة من 1958 حتى وفاته في 1996، كان البيت قبل ذلك الفيلا الخاصة بالكاتب قاسم محمد أمين، أحد مؤسسي الحركة الوطنية في مصر وجامعة القاهرة، ورائد حركة تحرير المرأة.
روشتة فؤاد دوارة النقدية
عشقه لوطنه وحنينه لأرضها جعلته يقول: "إنني أحب بلدي ولا أطيق البعد عنها، حتى حينما زرت الغرب لم يحدث أن انبهرت به بل ازددت حبا لمصر وترابها، وأنني لا أطيق أن يجرح النسيم خدها".
وعن أمانته النقدية والإيمان بالموهبة فقال: "لا بد للناقد من عدة صفات، فالأمانة شيء أساسي للناقد، وتلى ذلك الموهبة في النقد والخلق والإبداع، كما يجب يجب صقل الموهبة بالدراسة والتجارب الشخصية الذاتية والتعرف على المدارس النقدية المختلفة".
انقطاعه عن الكتابة النقدية الأسبوعية لأسباب يؤمن بها الناقد الجاد جعلته يقول: "لن أعود للكتابة النقدية الأسبوعية المنتظمة إلا إذا انصلح مسار الحركة المسرحية، وقد قدم المسرح ما يستحق النقد والتقويم".
وعن إيمانه بتكريم الناقد عرفانا بدور النقد، قال: "اختيار ناقد للتكريم هو اعتراف بدور النقد في حياتنا بشكل عام وليس المسرح فقط وهو معنى يجب أن نحرص عليه ونبرزه في كل مجالات حياتنا".
وعن رأيه في التجريب المسرحي يقول: "نحن لسنا ضد التجريب ولا التجديد، وإنما أي تجديد لا يمكن أن تقوم له قائمة إلا على أساس القديم، أي بعد معرفة الأصول والتقاليد".
الصمود ضد المعوقات والتمسك بالأمل جعلته يقول: "رغم قتامة الصورة في هذه المرحلة من حياتنا المسرحية إلا أننا ما زلنا نعقد الأمل على هذا الفن العظيم ليظل قادرا على المواجهة والصمود في وجه المعوقات والمغريات، وليعود كما كان مدرسة للحق والعدل والفضيلة".
وفي نصيحته لكتاب المقال النقدي قال: "لكي تكتب مقالا نقديا جيدا، لا بد أن ترى عملا فنيا جيدا يلهمك هذا المقال".