حسم الرئيس عبد الفتاح السيسي الجدل الدائر حول قانون التسجيل العقاري متضامنا مع حالة الحوار عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وفي الصحف ومختلف وسائل الإعلام، بتأجيل تطبيق القانون عامين، مطالبا بحوار مجتمعي حول القانون وصولا لتوافق عام بين الجميع.
الخطوة مهمة جدا لتهدئة الشارع، والقلق الذي سيطر على الناس طيلة أسبوع، وخشية الناس من أعباء جديدة عليهم، ولاشك أن فترة العامين ستكون فرصة ذهبية لفض حالة الاشتباك بين ما تريده الحكومة، وما يطالب به الناس من ملاك العقارات.
وجاء قرار الرئيس ليسبق خطوة أكبر لقرار الحكومة بتقديم مشروع قانون لتأجيل تطبيق التسجيل العقاري، إلى نهاية العام 2021.
ولم يتوقف حديث الشارع حول القضية، والتي خرجت بها الحكومة على الناس، تحت شعار "تحصين الملكيات"، وسعت الحكومة لامتصاص رد فعل الشارع وحالة الجدل المستمرة والتساؤلات التي لا تتوقف،
ولا شك أن التوجيه الرئاسي ومن قبله توجيه رئيس مجلس الوزراء بشرح الإجراءات والهدف من التسجيل للمواطنين، ومراعاة الوزارات والأجهزة المعنية تبسيط إجاباتهم في الرد على استفسارات المواطنين أصبح أمر اقتضته الضرورة، حتى لا تُـتْرك الساحة لبث الشائعات ونشر المعلومات المغلوطة حول هذا الموضوع.
وجاءت كل المحاولات، فيما ما زال الشارع لا يتوقف عن الأسئلة بخصوص مصالحات البناء، والتي ما زالت حتى الآن لم تصل إلى اجابات مقنعة، وشفافة، لموقف المصالحات، وماذا تم بشأنها، ومتى تنتهي، ومتى يتم تقنين الخدمات لهذه العقارات؟.
ما اخشاه أن تزداد التساؤلات حدة في الشارع، حول قضية التسجيل العقاري، حتى يتم توضيح، ما هو الربط بين التصالح في عمليات البناء والتسجيل، وأيهما يسبق الآخر، فهل شرط التسجيل إتمام طلبات التصالح ودخولها حيز التنفيذ؟.
وتوضيح ايضا، ما قيل على لسان السادة "الكبار" في الشهر العقاري "أن شهادة التصالح، وعدم المخالفة، هي الأساس للتسجيل، ولكن ليس هذا آخر الأمر، بل هناك أصعب من ذلك، فليس هناك حتى ما يريح الناس، ويطمئن قلوبهم، في ظل تساؤلات حول المطلوب للتسجيل العقاري، وما يتردد حول ضرورة إقامة دعوة قضائية لإثبات الملكية، وتقديم عقود تسلسلية للعقار.
ولكن الأهم في هذا الملف هو قيمة الرسوم التي سيتم تحصيلها من أصحاب العقارات، والتي تحتاج لمعالجة في مشروع القانون المرتقب، بخلاف معالجة رسوم المحاماة ونقابة المحامين، ورسوم التسجيل بنسبة 2،5% من قيمة العقار، بخلاف رسم التسجيل الذي يبدأ من 500 جنيه وحتى 2000 جنيه، حسب مساحة الوحدة السكنية.
الإجابات، من المهم، أن تكون واضحة، ولماذا كانت المطالبة بالتسجيل قبل الحوار حولها، بلغة وصلت إلى حالة من التخويف بل وصلت إلى حالة من الرعب، حتى خشيت أن تكون في مراحلها نقمة، وسخط، وهو ما يتطلب أن تكون الأمور واضحة وشفافة.
ونأخذ بعين الاعتبار تعليقات الناس وقلقهم مثل ما جاء في بوست على فيس بوك قال صاحبه " انا لا مانع عندي من دفع كل الرسوم المطلوبة للتسجيل، لكن عندي مليون مانع اتبهدل واتهان واقف في طوابير وادفع اكراميات ورشاوي واصحي صاحب العمارة اللي مات".
البوست يحمل في كلماته تساؤلات مهمة بشأن الخشية من أن يكون التسجيل بالطرح الحالي، بابا للفساد والإفساد، ومجالا للرشاوي التي لم تنتهي في ملفات التصالح، والتي وصلت إلى مراحل متنوعة من الفساد، ومن ينكر ذلك "لا يعيش في البلاد".
من المهم أيضا أن تكون الأمور واضحة، حتى لا يلجأ الناس للبحث عن بدائل لتخفيف رسوم التسجيل، بالتوجه نحو تحرير عقود جديدة بقيم أقل من القيم الحقيقية، للوحدات السكنية، حتى تأتي الرسم باقل من "الطموح الحكومي" في قيمة الحصيلة، من التسجيل العقاري.
صحيح "أن الدولة تعمل على تشجيع المواطنين لتسجيل عقاراتهم بهدف تحصين ملكياتهم، ولذا فيجب القيام بتيسير إجراءات التسجيل"، ولكن المهم أن يكون هناك تيسيرات تخفف من الأعباء عن الناس، ولا تضيف عليهم أعباء جديدة، في ظل أوضاع اقتصادية فرضتها عليهم جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية.
وقيل أن التسجيل ليس إلزامي، وغالبية الناس لا تقوم بها من عشرات السنوات، ويكتفون ببعض الإجراءات القانونية والقضائية، التي تثبت نوعا من الملكية، ولكن فكرة عدم الإلزام غير واضحة، والإجابة على السؤال الصعب" ما الموقف القانوني لمن لم يقم بالتسجيل العقاري؟!، والسؤال كغيره سيظل يحتاج لإجابة، لمن يملكون وحدات من عشرات السنوات، ويعيشون فيها وبها كل الخدمات.
القضية يا سادة تحتاج إلى توضيح ووضوح، والبرلمان والإعلام عليهما عبء كبير في هذه المرحلة من أجل حوار مجتمعي بناء، للحصول على إجابات رسمية لا لبس فيها حول مختلف التفاصيل ذات العلاقة بأمور ومراحل التسجيل العقاري، حتى لا نفتح بابا يقتحم علينا منه الفساد متسلحا بغياب الشفافية، وفي الوقت ذاته الإدراك أن المواطن لا يستطيع أن يتحمل أعباء جديدة، بين رسوم وأموال أخرى من "تحت التربيزة".
أعتقد أن فرصة العامين لدراسة الأمر كافية للخروج بموقف واضح، يطمئن الناس في كل مدن وقرى البلاد.