تطبيق كلوب هاوس بعد أقل من عام على إطلاقه يحقق اهتماما كاسحا من المستخدمين ويجذب ملايين المنضمين إلى غرفه حيث تجد "نادي" لأي فكرة تستهويك تقريبًا، وإذا لم تجد ما يستهويك فيمكنك بدء نادٍ بنفسك بعد استضافتك في"غرفة" ثلاث مرات على الأقل. تصل قيمة كلوب هاوس حاليا إلى نحو مليار دولار بعد أن كانت عند إطلاقه 100 مليون دولار فقط، مما يجعله واحدا من أكبر اللاعبين الآن في وسائل التواصل الاجتماعي. وقد دفع التطبيق الجديد المنافسين مثل "فيسبوك" لتطوير نسخة مقلدة منه، و"تويتر" لنشر "تويتر سبيسيس". وإذا وضعنا كلوب هاوس في إطاره فإنه يعبر عن الموجة الثانية من خدمات "اس في أو دي" التي تعمل على توجيه المشهد الإعلامي بسرعة وتثير أحدث معارك إعلامية ناشئة هذه المرة ليس من أجل الاستحواذ على شاشاتنا وإنما آذاننا!
نحن فعليًا في المراحل الأولى من عصر الصوت الاجتماعي لوسائل الإعلام وهي حقبة ستكون لها آثار كبيرة على الثقافة والمعلومات والتسويق.
مما لا شك فيه أن هؤلاء اللاعبين الكبار استفادوا من عزلة الإغلاق بسبب إجراءات التباعد الاجتماعي المواكبة لجائحة كورونا. وقد انتشرت "نوادي" هذا التطبيق عند بدايته بشكل واسع في أوروبا والولايات المتحدة لتمنح الناشطين في مجال الصحة فرصة إدارة أزمة الجائحة من المنزل ونشر التوعية الضرورية حول كيفية التعامل مع المرض وتداعيات الإغلاق. لكن الأمر لم يتوقف عند هؤلاء.. لأن جماعة "الإخوان" الإرهابية وجدت كالعادة في هذا التطبيق ضالتها ودفعت بأنصارها إلى إنشاء النوادي لنشر أفكار الجماعة السامة والتحريض بكل الأشكال. كما ظهرت "الحرائق" على موائد الآذان نتيجة الترويج لأفكار جماعات عنصرية ودينية وجنسية على كل لون ومن شتى أرجاء المعمورة تزيد الإنسانية أوجاعا على أوجاعها.
وقد شعرت –كما شعر الكثيرون- بالزحف الصاروخي للمتصيدين عبر الإنترنت الذين يتسللون مهرولين إلى المنصة لدرجة أن ظاهرة بيع الدعوات للانضمام للتطبيق في بعض المناطق أثارت انتباه مجلة نيوزويك التي علقت على الظاهرة وكتبت في تقرير منشور على موقعها قائلة إن الكثيرين يرغبون في الانضمام إلى كلوب هاوس "لكن قد لا يكون بعض هؤلاء جزءًا حقيقيًا من المجتمع"، مشيرة إلى أن ثمن الدعوة وصل لمبلغ 77 دولارا مما يثير المخاوف بشأن هوية وأهداف بعض المستخدمين.
وإذا رغب كلوب هاوس بالحفاظ على سحر الأيام الأولى عند إطلاق التطبيق عندما ظهرت الحاجة الملحة لتعزيز التواصل من خلال المحادثات الصوتية لخلق جو من الدفء والحميمية فيجب عليه البدء في إجراء بعض التصفية للأشخاص والسلوكيات للحفاظ على جاذبيته الخاصة وتعزيز عناصر الأمان والخصوصية المشكوك فيها لحد الآن.
وتزداد مخاوفي يوما بعد يوم من الهوية المجهولة لبعض المتسللين إلى التطبيق ونواياهم. ولا يشغلني أصحاب الفكر ورواد الثقافة والعلم فهذه التطبيقات من شأنها تحفيز المفكرين والرواد الحقيقيين وفتح النوافذ لاحتضان الهواء النقي القادم من كل المناحي والثقافات المتنوعة لكن ما يشغلني حقيقة هم الإرهابيون وأسلحتهم الهدامة وتجار السموم والممنوعات والبشر والخطورة التي يشكلونها على الشباب المتحمس المرحب بالتكنولوجيا دون إدراك لخطورة بعض ما يتم تداوله من محتوى. وهي معضلة تعاود الظهور بقوة مع كل تطبيق جديد يظهر على الساحة الافتراضية ومواقع التواصل الاجتماعي ويطرح مجددا السؤال الخاص بكيفية الحفاظ على وعود هذا التطبيق -التي سبق أيضا أن وعدنا بها الإنترنت في الأصل ومواقع التواصل الاجتماعي- والمتمثلة في التواصل والتعاون المفيد بين أفراد المجتمع الصغير والكبير، وليس التنمر والاغتراب والجريمة والدعاية الوقحة للإرهاب والتطرف.
وإذا كان مؤسسو كلوب هاوس حريصين على التمسك بما يجعله مميزًا فإن عناصر الأمان تحتاج إلى مراجعات سريعة لمنع تسلل المجرمين والمتطرفين إليه والحفاظ على بيانات المستخدمين. ولعل المشتركين يلاحظون كيف أن التوسع في عدد المنضمين للتطبيق خلق مشكلات تجلت في الطرد المتكرر لأشخاص من الغرف نتيجة إثارة تعليقات عنصرية أو جنسية أو ترويج بعض الأفكار، سواء كانت أفكارا هدامة للقيم الإنسانية بشكل عام أو حتى لمجرد أنها لا تلاقي هوى لدى مديري الغرف. يكفي أن تطرح فكرة تعارض بها ما يطرحه أحد المتشددين لتجد نفسك مطرودا من الغرفة حينها تكتشف أن الغرفة يديرها عنصر إخواني أو تكفيري أو مثليّ الجنس أو تاجر للجنس والمتعة..
وإذا كانت مخاوف الهوية المجهولة وضعف عوامل الأمان والخصوصية مازالت لم تجد حلولا لدى مؤسسي التطبيق فإن المحتوى وبعض الأفكار المطروحة في النقاشات ستظل مؤرقة لمجتمعنا.
مع ذلك فلا أميل لحلول المنع والحظر، كما فعلت الصين مثلا، لكن الحل الأمثل في رأيي يكمن في توعية شبابنا وتسليحه بالقيم من خلال الأسرة ووسائل الإعلام المختلفة. ولعل إطلاق حملات موسعة لهذا الغرض من شأنه أن يبدد المخاوف ويبني ثقافة قائمة على المعرفة والعلم ومتضمنة عناصر الاستدامة، قادرة على مواجهة عقلانية لمنصة مستمرة في اقتحام الثقافة السائدة ليس فقط بسرعة القطار وإنما بما تسببه أيضا من حوادث نتيجة تداخل القضبان.
ويمكن لتطبيق كلوب هاوس أن يكون إما صورة ضمن المسار الحالي الفوضوي لوسائل التواصل الاجتماعي دون فارق جوهري، أو لحظة قابلة للتعليم تسمح لصناعة المحتوى بأكملها بتغيير المسار وإظهار كل ما نريده حقًا من جدوى وسائل التواصل الاجتماعي.
olfa@aucegypt.edu