لا شك أن تسجيل عقود العقارات، أمر يساهم كثيرا في تثبيت الملكيات، ويدعم استقرارها، ويقلل المنازعات القضائية بشأنها،وهو أمر حيوى مطلوب لتنشيط اقتصاديات العقارات، والانتفاع منها ائتمانيا،بجانب الانتفاع منها بالسكن إيجارا وتمليكا.
وكان يجب إصدار قانون،يساهم في تيسير إجراءات تسجيل العقارات منذ عقود، خاصة أن القوانين الحالية تعقد أمور التسجيل بشكل كبير، ولذلك يضطر الملاك إلى عدم التسجيل نظرا للمصروفات الباهظة التي يتكبدها المواطن حتى يتمكن من تسجيل العقار الخاص به،فضلا عن الوقت الطويل المهدر في هذا الأمر.
ورغم أن القانون كان قد صدر منذ عدة أشهر، من خلال مجلس النواب السابق،الا أنه لم يتم إتاحته للنقاش المجتمعى بشكل كاف قبل صدوره، حتى نتجنب ما يمكن أن ينتج عنه من أزمات لأصحاب الملكيات.
ويجب أن نشير هنا إلى أن هذا القانون، لن يسرى على المجتمعات العمرانية الجديدة والكمبوندات،والقرى السياحية،التى تخضع لقوانين أخرى بشأن توصيل المرافق والشهر والتسجيل وغيره،علما بأن فئة الملاك في هذه المناطق هى الأكثر قدرة والأعلى ملاءة،ولن يضيرها أن تدفع بضعة آلاف لتسجيل عقار ثمنه عدة ملايين.
كما أن سكان المناطق والاحياء الراقية لن يضطروا لشهر وتسجيل شققهم أو فيلاتهم، نظرا لاستقرارها وتوافر كل المرافق بها،الا اذا اضطروا للتصرف فيها بالبيع فيما بعد وهو تصرف غير كثيف الحدوث،فضلا عن أن ملاك تلك العقارات قادرون على مواجهة أعباء التسجيل إلى حد ما.
أما أكثر الفئات تضررا من هذا القانون، فهم سكان القرى والمدن الصغيرة في المحافظات، الذين يبنون منازلهم بأنفسهم، لا يعتمدون على الدولة في السكنى،لأنهم يقومون بإعادة بناء منازلهم المبنية بدائيا إلى مبان أكثر قدرة على تحمل عدة طوابق، خاصة بعد أن أصبح البناء على أرضهم الزراعية ممنوعا عليهم، بعد أن تم تجريمه، وعقاب المخالف بالسجن والغرامة الفادحة.
وهنا لجأ بسطاء الريف إلى التحايل على تكاليف الحياة،ببناء منازلهم خطوة خطوة، حتى اذا تجمع لدى أحدهم بالكاد مبلغ ذو قيمة يقوم بعمل مسلحات خرسانية،ثم يعاود الكرّة بعد عدة أشهر لكى يسدد بالطوب هذه الاعمدة الخرسانية، وهكذا يظل يبنى في شقة ابنه عدة سنوات، حتى يحين زواجه في منزل عائلته،و يتم تكرار نفس الامر لبقية الأبناء.
وبذلك فان بناء المنزل لدى بسطاء الريف يستغرق عدة سنوات، كما يتم توصيل المرافق الرئيسية لكل شقة على عدة سنوات أيضا، كلما اكتمل بناء شقة تم توصيل المرافق اليها،خاصة أن رسوم توصيل تلك المرافق في السنوات الاخيرة،أصبح عبئا شديد الوطأة على ابناء القري، فأصبح توصيل المياه النظيفة للشقة يصل إلى ١٥ ألف جنيه تقريبا،وتوصيل عداد الكهرباء يتكلف ٣ آلاف جنيه، وهى مبالغ مرتفعة نسبيا، بالنسبة للقدرة الشرائية لسكان الريف البسطاء.
والقول بأن تسجيل عقود العقارات اختيارا وليس إجبارا،هو قول حق لكنه يفتقد إلى التفاصيل، خاصة أن صاحب العقار سيجد نفسه مضطرا للتسجيل،إذا أراد توصيل مرافق المياه والكهرباء والغاز والصرف الصحى لمنزله، أو شقة ابنه الذى يريد تجهيزها لزواجه.
ويتضاعف العبء على أبناء الريف، خاصة أن جراحهم من دفع أموال التصالح لم تلتئم بعد في ظل كساد عام أكل الأخضر واليابس لديهم منذ نحو عام تقريبا، فتأثرت دخولهم بشكل كبير، وانخفضت أسعار منتجاتهم الزراعية، لدرجة أن أسعار هذه الخضراوات لم تكف معظم المزارعين لتسديد إيجارات اراضيهم الزراعية،من بطاطس وطماطم وباذنجان وغيرها من أنواع الخضراوات.
فأتمنى أن يتم تأجيل تنفيذ قرار التسجيل العقارى على الأقل في الريف لعامين أو أكثر، ريثما يتم تعافى الفلاحين مما تكبدوه من خسائر بسبب الكورونا، وكساد منتجاتهم الزراعية ومما نزفوه من أموال في سبيل التصالح على منازلهم وعقاراتهم..كما يجب أن يتم مراعاة تذليل توصيل المرافق إلى منازل القرى، وعدم ربطها بالتسجيل في الشهر العقارى خاصة أن الجمع بين مصروفات هذين البندين،لا يقوى عليه غالب الناس خاصة فقراء الريف.