ذكرنا في المقال السابق أن أفضل طريقة لتنظيم الأسرة هي التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة.
وفي هذا المقال نعرض تجارب بعض الدول التي نجحت في ملف تنظيم الاسرة وخفض معدلات الزيادة السكانية.
اولا: تجربة كل من الصين والهند
نجحت الصين (١.٤ مليار نسمة) في كبح جماح الزيادة السكانية باجراءات صارمة لتحديد (وليس تنظيم) الإنجاب. واتبعت الصين سياسة الطفل الواحد منذ منتصف القرن العشرين، وفي سنة ٢٠١٣ سمحت بإنجاب طفل ثان. وحديثًا جدًا اتخذت قرارا يتيح الإنجاب لأكثر من طفلين خوفًا من زيادة نسبة الشيخوخة وقلة الشباب.
أما الهند (١.٣٧ مليار نسمة) فقد اعتمدت في برامج تحديد النسل على عمليات التعقيم الجراحي للسيدات من خلال ربط قناتي فالوب التي تصل البويضات من المبيضين الي الرحم. هذه الطريقة الغير مرتجعة لمنع الحمل أدت إلى العديد من النتائج السلبية والمضاعفات فضلا عن حدوث بعض حالات الوفاة والعدوى بين السيدات.
ثانيا: تجربة إندونيسيا
إندونيسيا، الدولة الاسلامية الاكبر، والرابع عالميا من حيث تعداد السكان ( ٢٧٣.٥ ) مليون نسمة، لها تجربة رائدة في مجال تنظيم الأسرة، كان أهم ملامحها:
١- العمل المؤسسي وإنشاء وزارة لشئون المرأة سنة ١٩٩٩، كان من اهم أولوياتها متابعة برنامج تنظيم الأسرة.
٢-تعليم الإناث، والعمل علي التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمرأة وتمكينها من العمل.
٣- إشراك رجال الدين في التوعية، وتبنيهم قضية تنظيم الأسرة.
٤- إشراك الرجال في تحمل مسؤولياتهم كأزواج واباء في برامج تنظيم الأسرة.
٥- اللامركزية ومشاركة القطاع الخاص والاهلي والمجتمع المدني في تقديم خدمات تنظيم الاسرة.
ثالثا: تجربة تونس
هذا البلد العربي الشقيق كان له تجربة ناجحة في ملف تنظيم الأسرة شملت:
١-إنشاء الديوان الوطني للعائلة والسكان عام ١٩٧٣، وتبني سياسة من محورين أساسيين هما خفض النمو السكاني وحماية صحة الأم والطفل.
٢- إنشاء المجلس الأعلى للسكان سنة ١٩٧٤، والذي يشمل مختلف الوزارات ويختص برسم السياسة العامة للسكان.
٣- رفع سن الزواج للرجال والاناث، (متوسط عمر الرجل عند الزواج ٣٣ سنة مقابل ٢٩ سنة عند الإناث).
٤- الاهتمام بالتعليم للفتيات وتقليل نسبة التسرب من الدراسة.
٥- وضع برامج تثقيفية للشباب وإنشاء ٥٠٠ نادي للتثقيف الصحي، تشمل موضوعات خاصة بالصحة الانجابية.
مما سبق يتضح أن المسار المصري في ملف تنظيم الاسرة والذي بدأ سنة ١٩٦٥، قد نجح في بعض الأحيان في تقليل معدلات المواليد، ولكنه لم يحقق النجاح المنشود بالمقارنة ببعض الدول الأخرى.
كما يتضح ان تبني سياسات صارمة لتحديد عدد المواليد مثل البرنامج الصيني، أو اتباع الطرق الجراحية لتحديد النسل مثل الهند، لن تكون مقبولة للأسرة المصرية.
ولكن يمكن الاستفادة من تجارب الدول التي حققت نجاحا ملحوظا، مثل تونس وايران واندونيسيا، باجراءات مقبولة شعبيا ومتسقة مع روح الأديان السماوية.
ويمكن في نهاية هذه السلسلة من المقالات أن نوصي بتبني السياسات التالية لخفض معدل إنجاب المرأة المصرية كما هو مخطط له عام ٢٠٣٠، وهو ٢.٤ بدلا من المعدل الحالي البالغ ٢.٩ طفل لكل سيدة.
أولا: إنشاء وزارة للسكان يخصص لها حصة من الموازنة العامة للدولة، تكون مسؤلياتها التخطيط والتنفيذ والمتابعة لبرامج تنظيم الاسرة، وتشرك معها كل الوزارات المعنية.
ثانيا: الاستعانة برجال الدين (الاسلامي والمسيحي) لشرح صحيح الدين، وإزالة العوائق أمام أستخدام وسائل تنظيم الاسرة وبرامج الصحة الإنجابية.
ثالثاً: تبني سياسة إعلامية تثقيفية سهلة ومفهومة، من شخصيات مقبولة لدي المواطن العادي، للتواصل مع الأسرة المصرية من خلال برامج يشارك فيها رموز المجتمع المدني والرائدات الريفيات.
رابعاً: تعليم وتدريب وتثقيف وتشغيل المرأة المصرية، وتجريم زواج القاصرات (دون ١٨ سنة). وإشراك الرجل في مسوولية تنظيم الأسرة.
خامسًا: التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة والنهوض بالتعليم والصحة، والاستثمار في مجال الصحة الانجابية خاصة في الريف وفي صعيد مصر.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.