هل تعلم عزيزي القارئ أن ثاني أشهر لوحة بعد الموناليزا هي لوحة الصرخة للفنان الاسكندنافي إدفارد مونك الذي ولد في النرويج وقضي بها ٢٦ عاما ودرس هناك المدرسة الانطباعية ثم انتقل إلى باريس واحتفظ لنفسه بملامح خاصة ثم استقر في ألمانيا وتزعم حركته الفنية التي عرفت بجماعة القنطرة أو دي بروك التي نشرت التعبيرية في ألمانيا كلها بزعامته. تميزت المدرسة التعبيرية الألمانية بالمؤثرات التي تلخصت في جرأة اللمسات، كما تتجلى في لوحات فان جوخ ومونك. والرونق البربري للفن الحوشي والنزوع إلى المضمون السيكولوجي. تعتبر لوحة الصرخة خير مثال للمدرسة التعبيرية وقد بيعت بما يقارب ١٢٠ مليون دولار عام ٢٠١٢ في أحد المزادات بنيويورك. وهل تعلم أيضا أنها قد سرقت مرتين رغم وجود الكاميرات في المتاحف التي كانت تعرض فيها، الأولى من متحف مونك عام ٢٠٠٤ وتم إستردادها بعد عامين، والسرقة الثانية من معرض النرويج الوطني وتم استردادها أيضًا. يوجد عدد من النسخ لهذه اللوحة، اثنتان منها محفوظتان في متحف مونك، وثالثة محفوظة في معرض النرويج الوطني. تجسد اللوحة شخصية معذبة تصرخ وهي خائفة، أمام سماء حمراء دموية، أما الخلفية فلنهر أوسلفورد، في مدينة أوسلو جنوب شرق النرويج تعتمد اللوحة على الذاتية الخالصة للفنان وتتخلص من ثقل المحاكاة والتحليل التكعيبي للمنظورات وغيرها لتستهدف التعبير عن المشاعر والحالة النفسية لإنسان العصر الحديث الواقف على جسر. قد نعتبره جسرا بين الماضي والحاضر وقد نعتبره جسرا بين الحياة والموت أو جسرا بين متضادين كل على حسب قراءته للوحة. وقد أتت اللوحة محملة بالطاقات العاطفية، والانفعالية. فلا نتفاجأ بتغيير الملامح التي تصل إلى حد تشويه الشكل والخطوط القوية الألوان التي تؤدي إلى تحفيز الشعور لنتعامل مع الإحساس ونستنطق تأثيره علينا كمشاهدين. وكأنما نسقط ما بداخلنا عليها فنتوحد معها على مستوى الشعور، أو نرى فيها أنفسنا وكانها مرآة تعكس ما بداخلنا من مشاعر. رسمت الصرخة في عام -١٨٩٣- ألف وثمانمائة وثلاثة وتسعين. وعن قصة رسمها قال مونك “ أنه كان يمشي في طريق بصحبة صديقين، وكانت الشمس تميل نحو الغروب، وفجأة انتابه شعور مباغت بالحزن والكآبة، وفجأة تحولت السماء إلى لون أحمر، يشبه لون الدم، توقف وأسند ظهره على قضبان الجسر، ومن فرط إحساسه بالإنهاك والتعب، ومضى الصديقان في مشيهما، ووقف هناك يرتجف من شدة الخوف، الذي لا يدري سببه، وما هو مصدره، وفجأة سمع صرخة عظيمة، تردد صداها طويلًا عبر الطبيعة المجاورة" ربما ما يجعل اللوحة تمثل قلق البشر جميعا هو التركيز على الطاقة النفسية فالملامح مطموسة والعيون غائرة مفزوعة والفم مفتوح مرتعب واليدان تغطيان الأذنين والسماء كابوسية هو وحيد لا يشعر به صديقاه اللذان يمضيان في طريقهما في اللوحة. لوحة الصرخة تمثل أيضا وظيفة الفن التي تتلخص ليس فقط في تنمية إحساسنا بالجمال وإنما في التعبير عن الحياة فهو مرآة صادقة تنعكس عليها ملامح الحياة المعاصرة وبها استشراف المستقبل أيضا.
آراء حرة
الصرخة ثانى أشهر لوحة بعد الموناليزا
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق