رصد أزمات المزارعين في مصر ومحاولة معالجتها هو الملف الأبرز والأهم في عملية التنمية كون مصر بلد زراعي منذ فجر التاريخ؛ وازدادات معاناة الفلاحين في الآونة الأخيرة بسبب تردي الأوضاع في الجمعيات الزراعية والتعاونيات سواء من بيروقراطية الإدارة التي ينتج عنها مشكلات في تأخر الحصول على الحصص المخصصة للأسمدة أو على مستوى مافيا السماد التي تبيع مخصصات الفلاحين في السوق السوداء وينتج عن ذلك مشكلات عدة.
وتستعد وزارة الزراعة في الفترة المقبلة لتطوير الجمعيات الزراعية ورفع كفاءاتها لتخطي الأزمات السابقة التي مر بها قطاع الزراعة في مصر، حيث عقد السيد القصير، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، سلسلة اجتماعات لمتابعة بعض الملفات المهمة مع رئيسي قطاعي الخدمات الزراعية والمتابعة، واستصلاح الأراضي، ورئيس هيئة الإصلاح الزراعي، موجها بإعداد خطة عاجلة لتطوير الجمعيات الزراعية المنتشرة في كافة قرى الجمهورية: الائتمان، والإصلاح، والاستصلاح، وعددها أكثر من ٥٠٠٠ جمعية، ورفع كفاءتها من خلال التعاونيات حتى تكون بالشكل الذي يليق بأهالينا الفلاحين والمزارعين.
خطة حكومية عاجلة
وأكد بيان صادر عن وزارة الزراعة أن الهدف من الاجتماع متابعة ملفي توزيع الأسمدة، ورفع كفاءة الجمعيات الزراعية، وذلك بالتنسيق مع الاتحاد العام التعاوني الزراعي المركزي، ورؤساء الجمعيات التعاونية العامة للائتمان، والإصلاح الزراعي، واستصلاح الأراضي.
وأشار القصير إلى أهمية دعم التعاونيات وزيادة تطوير الجمعيات ورفع كفاءتها، ودعمها بالوسائل التكنولوجية المتطورة، بحيث تؤدي دورها بكفاءة خاصة بعد تزوديها بآليات كارت الفلاح، والذى من المتوقع الانتهاء منه في الربع الأول من هذا العام.
ووجه الوزير أيضا بضرورة توفير الأسمدة في المواعيد المناسبة للزراعة، وشدد على ضرورة قيام الجمعيات الزراعية بدورها في توفير كافة مستلزمات الإنتاج والتفاعل مع مشكلات المزارعين.
واجتمع القصير أيضا مع أعضاء فريق تطوير منظومة الري الحديث لمتابعة آخر تطورات المشروع الذي يجري تنفيذه في مساحة مليون فدان مناصفة مع وزارة الموارد المائية والري، وأكد أن المشروع يلقى اهتماما كبيرا من القيادة السياسية ومتابعة مستمرة من رئيس مجلس الوزراء وأن الوزارة حريصة على تذليل كافة العقبات أمام نجاح المشروع للانتهاء منه خلال المواعيد المقررة، موضحا أن الدولة توفر حاليا التمويل اللازم بالقروض الميسرة من خلال البنك الزراعي بفائدة ٥٪.
أزمة المزارعين
يقول حسن على محمود، أحد المزارعين بمحافظة سوهاج، إن الوضع في الجمعيات الزراعية أصبح سيئا للغاية ولا يوجد بها أسمدة ولا تقاوي ولا مبيدات ولا يوجد فلاح يعتمد على أدواته من الجمعية الزراعية لأننا لو اعتمدنا على الجمعيات الزراعية لأصبحت أرضنا بورًا، موضحًا أننا نسأل عن الأسمدة باستمرار داخل الجمعيات الزراعية والإجابة واحدة " لسه مجاتش ولما تيجي هنكلمكم تلك الجملة تكررت مئات المرات وتفاجئنا بأكثر من مرة أن الأسمدة تأتي إلى الجمعية الزراعية وتباع من الباب الخلفي عن طريق السوق السوداء" وتابع على أنه في بعض الأحيان يستلم بعض حصته والتي لا تتخطي بأي حال من الأحول ٥٠٪ من حصته.
وأوضح على، تلك الأساليب جعلتني لا يوجد أمامي أي حلول سوي اللجوء إلى السوق السوداء والتي لا يمكن الحصول عليها إلا بضعف الثمن الذي تباع به داخل الجمعيات الزراعية وهذه هي من أهم العقبات التي تقف أمام الفلاح وتعوق عمليه الزراعة مما يوثر على الإنتاج والاستفادة المادية من وراء المحصول.
وتابع على، أن الجمعيات الزراعية تعد شريكا أساسيا للفلاح المصري لذلك لا بد من وجود خطة محكمة وعاجلة من قبل وزارة الزراعة والمسئولين عن ملف الزراعة في الحكومة المصرية لتوفير الأسمدة في المواعيد المناسبة للزراعة وعودة الجمعيات الزراعية لتقوم بدورها التي كانت تقوم به خلال السنوات الماضية بتوفير كافة مستلزمات الإنتاج الزراعي ومشاركة الفلاحين في أي أزمة تواجههم.
وفي السياق ذاته، قال عبدالله محمود، أحد المزارعين، في ظل الحديث عن الجمعيات الزراعية والأزمات التي تحدث من قبل الجمعيات الزراعية والعاملين بها لا بد من النظر إلى الفلاح المصري بعين الرحمة ومدة بجميع المتطلبات التي يحتاجها خاصة في الأزمات التي يواجهها وبالأخص في محصول البطاطس موضحًا أن الفلاحين خسروا كل ما لديهم بسبب تدني أسعار محصول البطاطس لذلك طالبنا عدة مرات من وزارة الزراعة بتفعيل قانون الزراعة التعاقدية.
وأضاف محمود، أن الزراعة التعاقدية تعد طوق النجاة لمنظومة الزراعة المصرية في الفترة المقبلة، موضحًا أن تفعيل قانون الزراعة التعاقدية يضمن تسويق المحصول قبل الزراعة دون الضرر بالفلاح أو المواطن أو وزارة الزراعة، وتابع محمود أن قانون الزراعة التعاقدية ينص على توقيع عقود بين المزارع وجهة الشراء يحدد فيها السعر والكمية المقرر بيعها قبل زراعة المحصول.
وأوضح محمود، أن الزراعة التعاقدية تخدم عدة أطراف وليس المزارعون فقط، بداية من البنك الزراعي، ومصانع الأعلاف، وطالب محمود بتطبيق منظومة الزراعات التعاقدية لأنها تساعد بشكل كبير إقامة دولة زراعية تساهم بشكل كبير في تقليل الواردات الزراعية وزيادة الصادرات المصرية إلى جانب أن تلك القانون سيعمل بشكل كبير على زيادة الإنتاج وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
القطاع التعاوني
ويقول حسين عبدالرحمن أبو صدام، نقيب عام الفلاحين، إن الفترة الماضية شهدت عدة أزمات بسبب ضعف الرقابة على الجمعيات الزراعية والأزمات العديدة التي كنا نواجهها في هذا الملف، وطالبنا مرارًا وتكرارًا بتحديث الجمعيات الزراعية التي تتواجد في الريف والمناطق النائية لأن تطويرها يصب في مصلحة الزراعة المصرية بشكل عام وليس في مصلحة الفلاح بشكل خاص.
كما أشار نقيب الفلاحين إلى أن عدد الجمعيات الزراعية التي تعمل بالنظام القديم تخطي عددها أكثر من خمسه آلاف جمعية زراعية، لذلك لا بد من وجود خطوات جادة وفعالة لتطوير تلك الجمعيات الاستفادة منها بالصورة الصحيحة إلى جانب أن تطوير تلك الجمعيات سيجعل الزراعة المصرية في مكان آخر، خاصة وأن تطوير الجمعيات الزراعية يجب أن يبدأ برقمنة وتحديث الجمعيات الزراعية التي تمثل في عدة محاور من أهمها الخبرة والإرشاد التي تنقص الفلاحين في الفترة الماضية.
وأوضح أبوصدام، أن الجمعيات الزراعية تعد عاملا أساسيا ومهما في الزراعة المصرية ولا يمكن الاستغناء عنه بأي حال من الأحوال لأنها الداعم والسند الحقيقي للفلاح المصري، ولكن لو بحثنا في الفترة الأخيرة لوجدنا أن الجمعيات الزراعية أصبحت تأخذ مسارًا آخر وهو اعتماد بعض العاملين فيها على الروتين والطرق القديمة في شتي المجالات الزراعية، خاصة في توزيع حصص الأسمدة التي أصبحت أزمة كبيرة للغاية لا يمكن لأحد السيطرة عليها بسبب وجود مافيا في الجمعيات الزراعية تتحكم في هذا الأمر ويتم تسريب تلك الأسمدة للسوق السوداء وبيعها بأضعاف سعرها، لذلك لا بد من تحويل دفاتر الجمعيات الزراعية إلى أجهزة إلكترونية في جميع المحافظات خاصة في الريف والقري لضرورة السيطرة على تلك المافيا ومنع تسرب تلك الأسمدة إلى السوق السوداء وضمان نجاح منظومة الكارت الذكي.
وطالب أبوصدام، هيكلة القطاع التعاوني في جميع المناصب الموجودة في وزارة الزراعة وليست الجمعيات الزراعية فقط ليكون هناك مواكبة للعصر الحالي والدفع بالشباب والخبرة ليكون هناك منظومة متكاملة للنهوض بالزراعة المصرية ووضعها على الطريق الصحيح لتنافس أكبر الدول في مجال الزراعة، خاصة وأن هناك اتجاها قويا داحل الدولة المصرية والرئيس عبدالفتاح السيسي نحو التطور الزراعي الحديث وتفعيل دوره الغائب وتسويق المنتجات الزراعية في الدول الخارجية وزيادة الإنتاج وتوفير مستلزمات الزراعة للفلاحين بأسعار مناسبة.
وتابع أبو صدام، نأمل أن يكون ان يكون هناك دور قوي وفعال من قبل مجلس النواب للنهوض بالزراعة المصرية ووجود قوانين وسيستم جديد يصب في مصلحة الفلاح المصري خاصة تعديل القوانين القديمة التي مر عليها عشرات السنوات دون تحديث مما جعل الفلاحين يمرون بأزمات عديدة في جميع المحاصيل الزراعية مع وجود ضرورة بإنشاء قوانين جديدة تتناسب مع التطور الزراعي الذي حدث على أرض الواقع مما جعل الصادرات الزراعية المصرية في المقدمة دونًا عن أي منتجات أخري بخلاف الصادرات الزراعية، مع الوضع في الاعتبار أن سن قوانين جديدة تعيد الحياة للاتحاد التعاوني الزراعي مع القضاء على كل صور الفساد الزراعي التي تتخذ من القوانين القديمة حصنا لها لتقضي على كل إنجاز زراعي حقيقي.
وأكد أبوصدام، أن خير دليل على أن الجمعيات الزراعية تعمل بشكل خاطئ وتسببت في مشكلات عديدة للفلاحين أنه في بداية عام ٢٠٢٠ وبالأخص في بداية محصول القمح تسبب مبيد أرينا ٧٪ في تدمير ٢٠٪ من محصول القمح في العديد من المحافظات، وطالب المتضررون بصرف تعويضات مناسبة عن المحصول، خاصة أن المبيد كان يباع بالجمعيات الزراعية، وأكد المزارعون أن وزارة الصحة حاولت إنقاذ الموقف باستخدام المغذيات، لكنها فشلت في إنقاذ الأراضي ووقف الخسائر، وكانت قررت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي تعليق استخدام المبيد الذي تسبب في خسائر محصول القمح، وجاء هذا الإجراء بعد تسببه في تلف بعض المساحات المنزرعة بالقمح رغم أنه يستخدم لمكافحة الحشائش التي تصيب القمح، واتخذت وزارة الزراعة خطوات في جمع عبوات تلك المنتج من الأسواق والتحفظ عليها داخل الجمعيات الزراعية بواسطة قسم الرقابة على المبيدات بالمعمل المركزي للمبيدات بالتنسيق مع شرطة البيئة والمسطحات، مع تعليق استيراد كميات جديدة منه لحين اتخاذ الإجراءات التي تضمن عدم تكرار ذلك مستقبلًا.
وأضاف أبوصدام، من المسئولين عن الزراعة في مصر بدعم الفلاحين ومدهم بجميع المتطلبات الزراعية بأسعار تتناسب مع الوقت الحالي، مع وجود دعم كامل للفلاحين في مجالات زراعية حديثة تناسب مؤهلاتهم العلمية، خاصة أن الفترة الأخيرة شهدت تجاهل تام للفلاحين وعدم الاعتناء والاهتمام بهم مما أثر بالسلب على بعض المحاصيل الزراعية وعزوف بعض الفلاحين عن بعض المحاصيل بسبب عدم توفير التقاوي بأسعار مناسبة أو عدم تغطية تلك المحاصيل لتكلفتها.
المرشد الزراعي
وفي نفس السياق، قال الدكتور جمال صيام الخبير الزراعي، إن الأهم من تطوير الجمعيات الزراعية الرجوع إلى عصر المرشدين الزراعيين وتوافرهم بصورة كبيرة كما كان يحدث في الأعوام الماضية موضحًا أن دور المرشد الزراعي لا يقل أهمية عن دور الفلاح المصري، وتابع المالكي أن عدم وجود مرشدين زراعيين وتوافرهم بالشكل المطلوب خلال السنوات الماضية أدى إلى حدوث تراجع كبير في إنتاج بعض المحاصيل الزراعية المصرية، خاصة وأن جودة المحاصيل الزراعية في وجود مرشدين زراعيين في الفترة الماضي يفوق إنتاج المحاصيل الزراعية في الوقت الحالي بأضعاف مضاعفة.
وأضاف صيام، أن تراجع الإرشاد الزراعي في مصر إلى وقف بعض الدول الاستيراد من مصر بسبب عدم جودة المحاصيل أو الفاكهة بالجودة المطلوبة إلى جانب وجود متبقيات المبيدات في الفواكه والخضروات بسبب عدم تعامل الفلاحين مع تلك المبيدات بالشكل المطلوب مما أدي إلى اتجاه العديد من الدول مثل روسيا واليابان وأمريكا والسعودية والسودان والكويت وقف استيراد الخضار والفاكهة المصرية لتدنى مستواها.
وأوضح صيام، أن عدد المرشدين الزراعيين ضئيل للغاية مؤكدا أن عددهم لا يتخطى ٢١٠٠ مرشد فقط يخدمون أكثر من ٦٥٠٠ قرية، موضحًا أن ذلك العدد ضئيل للغاية ولا يتناسب من قريب أو بعيد عن أهمية دور المرشد الزراعي مؤكدًا أن هناك أكثر من ٥٤٠٠ قرية تفتقر لدور المرشد الزراعي.
وتابع صيام: لا أحد منا ينكر دور الجمعيات الزراعية والدور القوي والفعال التي تقوم بها موضحًا أن الجمعيات الزراعية تعتبر هي حلقة الوصل بين الفلاح والحكومة لذلك فإن خطوة تطوير تلك الجمعيات تعتبر نقطة فاصلة في الزراعة المصرية لأن الجمعيات الزراعية هي المنوط الأول بدعم الفلاح ومده بجميع المتطلبات التي يحتاجها من أسمدة وتقاوي ومبيدات وأي شيء يخص الزراعة المصرية، ولكن على الجانب الآخر لا بد من إعادة النظر إلى دور الإرشاد الزراعي لأنه كما ذكرنا يعد من الأدوار الأساسية التي تسهم في تحسين الأداء لزيادة إنتاج المحاصيل الزراعية والحد من استيراد الحبوب وتقليل نسبة الأسمدة والتقاوي واستهلاك المياه.
وطالب صيام، بضرورة زيادة ميزانية قطاع الإرشاد الزراعي وتعيين وجوه جديدة مع مساعدة وزارة الزراعة في الاعتناء بالخبرة وإشرافهم على الوجوه الجديدة ليعود الإرشاد الزراعي كما كان خلال العشر سنوات الماضية، خاصة وأن تفعيل دور الإرشاد الزراعي يعمل على زيادة الإنتاج من المحاصيل الزراعية في الأراضي القديمة، في ظل أن هناك أكثر من ٧٠٠٠ جمعية تخلو من المرشدين الزراعيين، بالإضافة إلى أن المرشدين الحاليين تتراوح أعمارهم من ٥٧ إلى ٥٩ عاما ولكبر أعمارهم لم يجد أحد على رأس الغيط لإرشاد الفلاح لذلك طالبنا بوجود وجوه جديدة على أقصي تقدير تأخذ الخبرة من المرشدين الحاليين.
واختتم صيام، حديثه قائلًا إن غياب المرشد الزراعي يعمل على عرقلة المنظومة الزراعية بشكل كامل ويشل حركتها في ظل أن الفلاح المصري في أوقات كثيرة يحتاج إلى مشورة وزارة الزراعة وأصحاب الخبرة للارتقاء ببعض المحاصيل الزراعية وزيادة إنتاجها، وتابع المالكي، أن المرشد الزراعي لديه إمكانيات كبيرة للغاية تعمل على إعادة هيكلة الحقول الإرشادية المملوكة للوزارة الزراعة والتي تعد ثروة قومية لو تم استغلالها بشكل صحيح لأصبحت الزراعة المصرية في مكان آخر لم تصل له أي دولة من قبل، إلى جانب لا بد من نشر أساليب الزراعة الحديثة المتطورة بين المزارعين وحثهم على زيادة الإنتاج والعمل على توفير من ٣٠ إلى ٤٠٪ من مياه الري.