الجيرة مفردة متسعة فياضة دافئة. عقد والتزام غير مكتوب لا يحتاج إلى توقيع أو إشهار. الجيرة ستر بعضنا لبعض. ومجاملاتنا في المناسبات السعيدة،. المشاركة والسند وقت الشدائد. قد يكون الجيران أقرب من الأهل لنجدة المغترب. و أكثر أمنا من من الغريب حين تكون المفاضلة في الوصية ،والائتمان على الممتلكات بينهم وبين من لا نعرفهم.
الجيران في صورتهم الكاملة التي اعتدنا عليها في ذاكرتنا و نحن صغار. الاحترام والمودة وكانهم امتداد للعائلة. أقربائنا دونما نسب أو دماء. الجيران في اللغة جمع جار، وهو في معجم المعاني المُجاور في المسكن، سواء كان بيته ملاصقا لبيتك أو في محيط واحد و الجار الجنب الذي لا قرابة بينك وبينه، و يسكن بالقرب منك. الجار الذي أوصنا الله أن نحسن إليه و يحسن إلينا أيضا في سورة النساء قال تعالى " واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً" الجار الذي قال بشأنه رسولنا الكريم" ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه". هل سألنا انفسنا من هو الجار و ما هو حده؟ قرأت أن حَدَ الجار عند الشافعية والحنابلة أربعون داراً من كل جانب، من الأمام والخلف واليمين والشمال.
وعن السيدة عائشة قالت" قلت يا رسول الله! إن لي جارتين، فإلى أيهما أهدي؟ قال: إلى أقربهما منك بابًا" صدق سول الله صلعم. إن ما دفعني للبحث عن حق الجار هوكثرة ما أراه في كل يوم من مشاحنات، وضغائن ، وتنمر، وما أسمعه من حكايات و شكاوى يومية حتى صار الأمر أشبه بالظاهرة. لماذا لا نجتمع إلا على أكل لحم من نختلف معه ،أذا فشلنا أن ننتزع منه حقوقه، أو اعترضنا على نعمة أنعم الله عليه بها و نمتلىء غلا من ناحيته. لماذا أصبحت لفظة جار من الجور أكثر من الجيرة . تأملتُ الأمر طويلا تأملت سلوك الناس الملفت و المتقلب واتهمت العصر الحديث بجنونه بمنصات تواصله الاجتماعي أو- تلصصه الاجتماعي –، فوجدتني قد ظلمت التكنولوجيا بعدما عرفت أن الأمر قديم، قديم جدا. فالجيران ليسوا سوى بشر، ناس ككل الناس منهم الصالح و منهم الطالح . وأن الأذى ملازم للبشر و كأنه صنوهم ولن نسلم مهما فعلنا . في كتاب تاريخ بغداد، الذي ألفه المؤرخ الاسلامي ، العلامة أحمد بن علي بن ثابت المعروف بالخطيب البغدادي، "( 392 هـ / 462 هـ) ، روى أبو جعفر الهروي أنه كان مع حاتم الأصم وقد أراد الحج، فلما وصل إلى بغداد قال له حاتم (يا أبا جعفر أحب أن ألقى أحمد بن حنبل)، فسألنا عن منزله ومضينا إليه، فطرقت عليه الباب فلما خرج قلت (يا أبا عبد الله، أخوك حاتم)، فسلم عليه ورحب به وقال له بعد بشاشته به (أخبرني يا حاتم فيم التخلص من الناس)؟ قال يا أحمد في ثلاث خصال، قال وما هي؟ قال أن تعطيهم مالك ولا تأخذ من مالهم شيئا، وتقضي حقوقهم ولا تستقضي أحدا منهم حقا لك، وتحتمل مكروههم ولا تكره أحدا على شىء. فأطرق أحمد ينكت بأصبعه على الأرض ثم رفع رأسه ثم قال (يا حاتم إنها لشديدة)، فقال له حاتم (وليتك تسلم وليتك تسلم وليتك تسلم).فاللهم بارك في الجيرة الطيبة، وناسها المخلصين. الذين يزيدون الملح في خبزهم ويحتفظون ببعضه لجروحهم عندما لا يسلمون.