ذكرنا في المقال السابق أن تعداد السكان في مصر قد ازداد قرابة ٢٠ مليونا (من ٨٠ مليونا إلى ١٠٠ مليون) خلال العقد الأخير (٢٠١١-٢٠٢٠)، وأن معدل الزيادة كان الأكبر بين عامي ٢٠١١-٢٠١٤، وأن هناك تراجعًا تدريجيًا قد حدث بين اعوام ٢٠١٥-٢٠٢٠. وفي هذا المقال نعرض من وجهة نظرنا، اهم العوامل (العامة) التي تعوق ملف تنظيم الاسرة. ونخصص المقال القادم للعوامل الخاصة بالمجتمع المصري بإذن الله تعالي.
أولآ: العادات والتقاليد والموروثات الاجتماعية،
من وجهة نظري وحسب خبراتي العملية، استطيع ان اقول أن العادات والموروثات الاجتماعية هي السبب الاول لزيادة اعداد المواليد في الاسرة الواحدة. وان هناك اسراً بعينها تحرص كل الحرص علي زيادة اعداد المواليد لاعتبارات العزوه والوجاهة الاجتماعية. وان المعتقد الديني والعوامل الاقتصادية والسياسية قد تساعد في هذا، ولكن تظل الرغبة الموروثة عند الكثير من الاسر في جميع المجتمعات، شرقًا وغربًا وشمالا وجنوبا، هي الدافع الاول في زيادة افراد الاسرة.
ثانيا: العوامل الاقتصادية،
من الواضح انه هناك علاقة عكسية بين النمو الاقتصادي للمجتمعات والزيادة السكانية. وهذا صحيح في الماضي والحاضر ، وربما ايضا في المستقبل. فنمو السكان في الدول الفقيرة (باكستان واثيوبيا ومصر)اكثر بمرات عديدة عن نمو السكان في الدول الغنية (المانيا وانجلترا وفرنسا). ونمو السكان في الريف المصري والصعيد اكبر من نمو السكان في الحضر والوجه البحري. وفي مصر كذلك نجد المحافظات الافقر هي المحافظات الاكثر في معدلات النمو السكاني. فحسب احصائيات الجهاز المركزي لسنة ٢٠١٩، جاءت محافظة سوهاج على رأس قائمة المحافظات من حيث معدل الزيادة الطبيعية في المواليد خلال عام ٢٠١٩ بنسبة (٢.٤٦ %) ، ثم أسيوط (٢.٣٨%) ثم قنا (٢.٣٥)، ثم المنيا (٢.٣٣%) ثم بني سويف ٢.١٩%، وكفر الشيخ ٢.٠٣٥، وأخيرًا الأقصر بنسبة ٢.٠٢%.
اما أقل المحافظات في معدلات الانجاب خلال نفس العام (٢٠١٩) فكانت محافظات بورسعيد والسويس، ثم دمياط.
ثالثا: العوامل الدينية،
الديانات السماوية الثلاث (الاسلام والمسيحية واليهودية) وبصفه عامه، تحرص علي صحة الانسان وجودة حياته، وتحارب الفقر وتمنع القتل بسبب الفقر او خوفا منه. ولذا نجد ان المجتمعات والافراد الاكثر تدينا هم الاكثر انجابا. ولكن ليس من الدين محاربة برامج تنظيم الاسرة، لسبب بسيط هو ان موضوع تنظيم النسل حديث جدا، وربما يكون محصورا في النصف الثاني من القرن العشرين (١٩٥٠ وحتي اليوم). فقبل هذا التاريخ كانت معدلات الوفاة عالية وكانت معدلات الانجاب عالية أيضا، ولكن كانت معدلات الزيادة الطبيعية قليلة. ولذا لم يكن هناك ضرورة لبرامج تنظيم الاسرة في الماضي . اما الان، فلا اظن انه من التدين الصحيح ان تحارب بعض الجهات الدينية برامج تنظيم الاسرة، والتي تهدف في النهاية الي تحسين حياة البشر والحفاظ علي معدلات نمو مرتفعه. اظن كذلك ان التوجهات السياسية في المؤسسات الدينية وليس صحيح الدين هو الدافع لمجابهة برامج تنظيم الاسرة.
رابعًا: العوامل السياسية،
كلما زاد الاستقرار السياسي كلما قلت معدلات الزيادة في السكان. وكلما قل الاستقرار السياسي وزادت معدلات التوتر والحروب، كلما زادت معدلات النمو السكاني. فمثلًا نجد ان التنافس في معدلات الزيادة السكانية بين الفلسطينين والاسرائليين يُمَثِل جزءا من الصراع الفلسطيني الاسرائيلي. ونجده كذلك في الأقليات السياسية التي تبحث عن النفوذ والمشاركة في الحكم في منطقة الشرق الاوسط وافريقيا وآسيا وامريكا اللاتينية. هذه السياسات ربما تتخذ دواعي دينية لمحاولة اضفاء الشرعية علي زيادة اعدادها، ولكنها تظل حركات سياسية في اغلبها غرضها فرض السيطرة والنفوذ السياسي بزيادة السكان.
خامسا: عوامل متداخلة بينها وبين بعضها (اجتماعية واقتصادية وسياسية ودينيه)، وتسمي:
(Multi-factorial Factors)
واظن ان التداخل الواضح بين كل هذه العوامل هو الغالب علي مجتمعنا المصري. حيث تجد ان الاسر كبيرة العدد هي الاسر التي يقل فيها مستوي الدخل، ويقل فيها عدد المتعلمين، خاصة من يصل فيهم الي التعليم الجامعي. وهي الاسر التي تقل فيها الثقافة العامة، وتزداد فيها النزعة القبلية، او تلك التي تتخذ موقفا دينيا متشددًا او تسعي الي الحصول علي مكاسب مادية او سياسية.
ولذا فهناك العديد من التعقيدات والتداخلات العامة والخاصة التي تواجه برامج تنظيم الاسرة، وليس كما يظن البعض ان هناك سببا واحدًا رئيسًا هو الفاعل في ملف تنظيم الاسرة.
وللحديث بقية عن العوامل الخاصة بوضع الانثي في المجتمع وتعليمها وتثقيفها وتوفر طرق تنظيم الاسرة للمرأة المصرية.