أعرف أن الكثيرين من أصحاب الأفكار المحافظة لا يروقهم عيد الحب أو "فالنتاين" وربما يعتبره البعض منهم بدعة غريبة على مجتمعاتنا. لكني أختلف معهم وأرى على العكس من ذلك أن كل مناسبة قادرة على تجديد العلاقات ورعايتها هي عيد للحب يستحق أن نتمسك به ونثري به ثقافة الحب والمودة والتراحم التي تساندنا فى عقبات الحياة والأوقات الصعبة.
ولا شك أن عيد الحب 2021 يبدو أقل توهجا مقارنة بالأعوام السابقة، حيث تعاني العلاقات بشدة سواء بين الأزواج أو الشباب المخطوبين والمرتبطين أو حتى بين الأصدقاء والأحباب بشكل عام؛ والأسباب كثيرة لهذه المعاناة المضاعفة ابتداء بجائحة كورونا وما خلفته من صعوبات اقتصادية على شرائح كثيرة من المجتمع، مرورا بالضغوطات الناتجة عن بقاء الأبناء في المنازل وما يستلزمه ذلك من جهود مضاعفة تتحملها في الغالب الأمهات، وصولا إلى انتهاء عقود البعض خاصة في دول الخليج وعودتهم إلى ديارهم وبقائهم لفترات طويلة مع عائلاتهم على غير عادتهم مما يسبب مواجهات يومية وضغوط قاسية تفقد الأعصاب هدوءها وتنزع عن الكلمات رونقها وتعرض العلاقات الأكثر أهمية بالنسبة لنا لمعاناة لم يسبق لها مثيل.
ولاشك أن القضايا التي كانت عادية في يوم من الأيام قد تصل إلى ذروتها فتنفجر الأزمات في هذه الأوقات الحادة. وبدون الأهداف التي نتطلع إليها أو الأشياء التي نستمتع بالقيام بها معًا، يمكن أن تصبح العلاقات متعبة للطرفين، وفي بعض الحالات مضطربة. لذلك فعيد الحب بمثابة العلاج لأي توترات والمساعدة على عودة العلاقات لصحتها الجيدة وإضفاء سعادة تبدد تلك الأوقات الصعبة.
ومن المؤشرات الخطيرة على تأزم العلاقات داخل العائلات زيادة العنف المنزلي بين الأزواج وأفراد الأسرة بما في ذلك العنف ضد المرأة والأطفال بنسبة 35% ، وهو ليس مقصورا على الأسرة المصرية وإنما في العالم العربي والعالم أجمع. وتشير إحصائية أمريكية إلى زيادة الطلب بشكل مخيف على خدمات تقديم المشورة للأزواج ودعم العائلات والصحة النفسية خلال الشهور الماضية إلى 368%. ونستطيع بالنظر حولنا معرفة نوعية المشكلات الأكثر شيوعا والتي يعانيها الأزواج على سبيل المثال وهي تدور غالبيتها حول الظروف المعيشية وتأثرها بفقد العمل أو توقف فرص الترقي وتبخر الأحلام في ظل حالة الركود المنعكسة على الشركات والمشروعات والمداخيل والأرباح، ناهيك عن توقف الدراسة بالنسبة للأبناء وما تحمله للأسرة وخاصة الأمهات، سواء كن عاملات أو حتى ربات بيوت، من أعباء في إعداد الطعام لعدة وجبات في اليوم، واعتناء إضافي بالمنزل واهتمام مضاعف بالأبناء من حيث الدروس والواجبات ومراقبة أوقات فراغهم الطويلة في ظل توقف المدارس والجامعات والأنشطة الرياضية. كل هذا يمثل عبئا ثقيلا يساعد على تسلل الشعور بضبابية الحياة في المنزل والعمل وكذا الأمر بالنسبة للمستقبل مع سيطرة المشاعر السلبية من حزن واكتئاب ويأس.
تروي لي إحدى الصديقات كيف أن التقدير المتبادل بينها وبين زوجها قل بسبب عدم إدراك الأخير لعبء العمل في الشركة والمنزل الذي عليها القيام به يوميا مع وجود الأبناء في البيت. لذلك فهي تعاني من التزامات مضاعفة بينما لا يريد الزوج أن ينتبه إلى وجود مسؤولية مشتركة في الحياة المنزلية وعلاقتهما التي تحتاج إلى رعاية أيضًا. قد تشعر الزوجات بالتعب الشديد والحاجة للمساعدة مثلا في إعداد العشاء أو الأمل في أن يقوم شخص آخر غيرها بذلك، أو حتى يغير حفاضات الأطفال الصغار أو يعطيهم حماما دافئا استعدادا للنوم.
علينا إدراك أننا جميعًا مسؤولون عن دورنا في العلاقة، ولدينا جميعًا القدرة على إظهار التعاطف والتقدم للمساعدة بدلاً من الجلوس وتجاهل ما يجب القيام به. لكن في الغالب لا يتحقق هذا التعاون فيتفاقم الإجهاد على طرف واحد مع سيل من الحجج التي تسهل الهروب من تحمل المسؤولية.
إذن، كيف يدعم الأزواج وأفراد الأسرة عامة بعضهم البعض ويحافظون على التوتر عند الحد الأدنى؟
قد يكون عيد الحب وسيطا أو فلنقل مفتاحا لتجديد العلاقة العاطفية والتي لا تقل أهمية عن العلاقة الحميمة الجسدية. ومن المهم أيضا أن تدع من تحب أن يعرف أنك تفكر فيه وتستمع إليه حقًا وتقدم إليه الدعم العاطفي عندما يحتاج إليه أثناء الحديث أو خلال نزهة قصيرة للتعبير عن الاهتمام و تجديد العواطف المشتركة وهذا مفيد حقًا للطرفين.
في النهاية ، لا تنتظروا الأزمات الخطيرة حينما تتفاقم الأمور وتنهار العلاقة ويتلاشى التقدير المتبادل ويحل محله العنف بكل أنواعه، بل اغتنموا فرصة عيد الحب وكل عيد هو عيد للحب وكل يوم هو مناسبة للتركيز على ما يبقيكم معًا بدلاً من التركيز على ما يفرقكم. واهمسوا لبعضكم بكل جوارحكم: عيد حب سعيد!
olfa@aucegypt.edu