الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عربية "الناس" وعربية "الله"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قبل أن نبدأ علينا أن ندرك الفرق أن نعرف ونعي جيدا ذلك الفرق بين عربية الناس، وعربية الله، عربية الله غير تماما، لسان عربى نعم نعم، لكن وصفه الله (بالمبين)، وأنه (تنزيل رب العالمين) ووصفه بأنه (غير ذي عوج) قال تعالى (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ) (195) الشعراء، (قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (28) الزمر، تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (43) الحاقة.
عربية الناس عوجاء مليئة بالعيوب كغيرها من اللغات البشرية، عربية الله بلا عيوب، بلا عوج بلسان مبين، دقيقة ومعجزة ومتفردة، كل لفظ له دلالاته محددة وحصرية، وحدود ابستمولوجية، فجاء غير أتى والإنزال غير التنزيل وزوج غير بعل والفقراء غير المساكين والهبوط غير النزول ورجال ونساء ليست كما لدينا وقرية ومدينة ليست وفق معاييرنا، والوالد غير الأب والأم غير الوالدة والتبذير غير الإسراف والذنب غير السيئة والشاهد غير الشهيد، واسطاعوا غير استطاعوا.
وجمع غير جميع والنفس غير الروح والقلب ليس العضلة المعروفة التى تضخ الدم وفؤاد ليس هو القلب والنبي غير الرسول والكتاب غير القرآن والإسلام غير الإيمان و....
عربية الناس متغيرة عبر القرون، وعربية المصحف ثابتة وستظل ثابتة إلى يوم يبعثون لن تتغير، فرق كبير بين عربية الناس وعربية الله، لغة الناس ولغة الله، استخدم الناس للألفاظ واستخدام الله للألفاظ، لغتنا ولغة المصحف عربية العرب وعربية القرآن.
ولأن لغة الناس تتغير كل 50 أو 100 عام وتتغير مدلولات بعض الألفاظ وتستحدث ألفاظ جديدة لم يكن يتكلم بها السابقون، ولو أننا تكلمنا أمام أحد من القرن الثانى أو حتى القرن الخامس أو السابع الهجري فلن يفهمنا الآن لماذا؟! لأن المفردات لدى الناس غير ثابتة وتختلف من جيل الى جيل حيث تستحدث دائما مفردات جديدة تخص كل جيل ولها دلالات لا يعلم عنها السابقون شيئا وقد لا يعلم عنها الحاليون من آبائنا وأجدادنا إذا كانوا لا يزالون يعيشون معنا، ولأن اللغة لم تولد مكتملة أو لم تولد دفعة واحدة كما أدرك وقال ذلك النحوى الكبير (بن جنى)، فى القرن الرابع الهجرى، ولكون اللغة نتاج العقل البشرى كما لاحظ (عبد القاهر الجرجانى) مؤسس علم البلاغة فى القرن الخامس الهجرى، ولأنها ارتبطت بذلك العقل العربى البشرى فلقد تطورت وزادت بتطوره، وتغيرت بتغيره، ولسوف تظل تتطور وتخلق مفردات جديدة لها دلالات جديدة حتى يوم يبعثون ولا يمكن فهم نص لغوى على نحو لا يقتضيه العقل لأن اللغة وليدة العقل، ولأن اللغة البشرية غير ثابتة بل متغيرة وكل قرن تموت مفردات وألفاظ وتولد أخرى، وهناك استبدال يحدث لنفس الدلالات اللغوية بألفاظ تناسب العصر. 
إذن لغة ناس القرن الأول الهجرى تختلف عن لغتنا الآن، مفردات عديدة اختفت وكف الناس عن تداولها، ومفردات جديدة ولدت لتحل محل مفردات قديمة بالإضافة إلى ما استحدث من مخترعات وأشياء تطلب العقل البشري أن يطلق عليها مسميات تخصها، كى يربط بين الدال والمدلول، ولسوف تختلف الناس بعدنا بـ100 عام و بألف عام أيضا، كل هذا يعلمه الله طبعا لذلك عندما قرر أن يرسل كتابا تصلح لغته لكل القرون حتى آخر الزمان اقتضى ذلك من الله أن يحدد بدقة معانى ألفاظه ومدلولاتها بدقة متناهية تخصه، كما تطلب ذلك أن يحدد الله كل مدلولات الألفاظ فيه، وعليه فقد ترتب علينا أن نترك كل المعاجم التى صنعناها بأيدينا للغة وأن ننجز معجم ألفاظ القرآن.
ولقد أدرك المفكر السورى الراحل محمد شحرور بعبقرية نادرة أننا بحاجة إلى الوصول إلى معانى الألفاظ للقرآن الكريم نفسه بعيدا عن معانى الألفاظ فى معاجمنا البشريه التى صنعناها بأيدينا، والتى حددنا فيها مدلولات الألفاظ وفقا لاستخدامنا نحن فلقد خلص الله العربية عندما قرر استخدامها من كل عيوبها ككل اللغات البشريه التى تعج بالعيوب، وفى مقدمة تلك العيوب، عدم قدرتها على الإيجاز واعتمادها المفرط على المجاز.
فألف شحرور كتابه (مصطلحات التنزيل الحكيم) والذي حاول فيه عبر 6 أدوات حددها لنفسه، اللاترادف والترتيل والتقاطع بين الآيات، والتصنيف للآيات وهل هى من النبوة أم من الرسالة من المحكم أم من تفصيله أم من آيات وصف الكتاب وهل هى من الدينى أم من التاريخى، والاحتكام للسياق والنظم كأداة حصرية كاشفة للمعنى، مع تحديد الضمائر بأنواعها مستترة (جائزة وواجبة) وبارزة (منفصلة ومتصلة) وخصوصا تحديد المتكلم والمخاطب والغائب فى كل آية لمحاولة تحديد مدلول كل لفظ على حدة ومعناه فى المصحف معناه فى الاستخدام الإلهى وتفريقه عن غيره من حيث الدلالة والاستخدام، حيث يعتبر ذلك الكتاب نواة كبيرة وبداية رائدة ورائعة تحتاج إلى استكمال دليل مصطلحات القرآن وإنجاز معجم القرآن الكريم ليكون لدى البشرية (معجم القرآن) (معجم عربية الله)، وليس معجم عربية الناس.