الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة لايت

سر «النفسنة» بين عمر الشريف وإدوارد سعيد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وأنا بصدد الانتهاء من الطبعة الجديدة من كتابى «كلية فيكتوريا: صناعة الملوك والأمراء والمشاهير» شاركنى أحد الأصدقاء مقال أستاذنا الكبير سمير عطا الله عن إدوارد سعيد، في جريدة «الشرق الأوسط» اللندنية وهى مدرستى الصحفية الأولى، بعنوان «يهودى من الإسكندرية»، والذى تساءل فيه عن سر عدم شهرة إدوارد سعيد ضمن خريجى «فيكتوريا كوليدج» الإسكندرية!!..وعلاقته المضطربة بعمر الشريف!! والإجابة موجودة في كتابى وقبله بالطبع كتاب «خارج المكان» لإدوارد سعيد الذى يروى فيه لمحات عن علاقته بعمر الشريف وكيف كان شخصية قاسية في المدرسة.. دعونى أوضح لكم المختصر المفيد في علاقة عمر الشريف وإدوارد سعيد.

أولا والحق أن عمر الشريف هو الذى أشيع عنه أنه يهودى خاصة لأن اسمه شامى «ميشيل شلهوب»، وثانيا لأن غالبية يهود الإسكندرية كانوا من الأثرياء حتى بعد هجرتهم أصبحوا أيضا أبرز رجال أعمال أوروبا وأمريكا، وكان والده تاجرا شهيرا بالإسكندرية، وثالثا لأنه أسلم ليتزوج فاتن حمامة، لكنه كان كاثوليكيا، وطردت أسرته من الكنيسة بسبب ذلك.

وأحب أن أوضح سر عدم شهرة إدوارد سعيد مقابل شهرة عمر الشريف؛ لم يقض إدوارد سعيد سوى عامين فقط في فيكتوريا المعادى، وكان ذلك عام ١٩٥٠، ولم يعش أو يدرس بالإسكندرية، وكان قائد الطلبة أكثر الطلاب تفوقا والتزاما ميشيل شلهوب «عمر الشريف»، وقضى عمره بالكلية، وظل على ارتباط بها حتى بعد شهرته العالمية، بينما انقطعت علاقة سعيد بالكلية منذ أن سافر إلى أمريكا فلم يحضر اجتماعات «الفيكتوريين»، ولم يكن على تواصل معهم. أما عمر الشريف فقد انتقل من فيكتوريا الإسكندرية مع عدد من طلاب القسم الداخلى بالإسكندرية حيث خشيت إدارة المدرسة عليهم من الضربات الجوية التى طالت المدينة إبان الحرب العالمية الثانية، وتحولت وقتها فيكتوريا كوليدج الإسكندرية لثكنة عسكرية ومشفى أيضا لجرحى الحرب. وقتها انفصل عن رفاق عمره يوسف شاهين وتوفيق صالح وأحمد رمزى حيث كانوا يعيشون مع ذويهم بالإسكندرية لا بالقسم الداخلي. وفعلا الشيطان يكمن في التفاصيل فخلال عملية البحث للكتابة عن تاريخ هذه الكلية العريقة وجدت جذور الاستعلاء السكندرى كانت وما زالت واضحة معالمها في العلاقة بين الفيكتوريين القدماء أوبين أبناء كلية فيكتوريا في الإسكندرية والقاهرة حيث يعتبر فيكتوريو الإسكندرية أنفسهم أهم وأعظم شأنا من أبناء فيكتوريا القاهرة. وصف إدوارد سعيد هذه العلاقة بشكل عابر في مذكراته «مع الوقت صار حضور شلهوب أليفا على نحو مزعج، وقد اشتهر ببراعته الأسلوبية وبتفننه وابتكاره في اضطهاد الصبية الصغار سنًا».

وأرى في هذا تجنيا على عمر الشريف الذى تركته والدته السكندرية الأرستقراطية من أصول شامية بمدرسة داخلية شبه عسكرية في نظامها الصارم ليتلقى أرقى تعليم ويمارس الرياضة كونه كان طفلا بدينا، فقضى أجمل سنوات حياته منذ نعومة أظفاره بين أركان فيكتوريا كوليدج فلم يكن يرى أسرته سوى في الإجازة الصيفية وربما كان هذا سر قسوته مع طلبة فيكتوريا القاهرة المرفهين من وجهة نظره، ثانيا وكونه سكندريا كان هذا دافعا كبيرا للاستعلاء على طلاب فيكتوريا عموما الذين كانوا ينتمون لـ ٥٥ جنسية يأتون لها من كل القارات، فمن خلال لقائى بعدد من السكندريين أبناء فيكتوريا في الخارج أكدوا أن لهم جيتو خاصا بهم كونهم ينتمون للإسكندرية أولا ثم كونهم فيكتوريين ثانيا، فلم يكن الشريف حالة شاذة في هذا بل ذكره الكثيرون من الفيكتوريين من مختلف دول العالم، إذ كانوا يتباهون «درسنا بالإسكندرية».

فيكتوريا الإسكندرية هى الأصل التى تأسست رغما عن اللورد كرومر عام ١٩٠٢ بعد أن رضخ لضغط الجاليتين اليهودية والإنجليزية بالإسكندرية لتأسيس مدرسة تمجد اسم الملكة فيكتوريا وترفع شعار التعليم العلمانى بعكس مدارس الإرساليات التى كانت منتشرة في تلك الفترة، وكانت المدرسة مخصصة لأبناء النبلاء والطبقات الراقية الأرستقراطية فقط، هذا هو الهدف منها تعليم أبناء النخب ومن سيحكمون المنطقة خلال القرن المقبل، ولهذا السبب اقتنع كرومر الذى وجد في هذا المشروع ما يناسب السياسة الإمبريالية البريطانية ولِمَ لا أن يكون غسل الأدمغة والسيطرة عليها عبر التعليم.

رغم ذلك خرجت المدرسة فيما بعد أبرز مناهضى الكولونيالية والاستعمارية بل ومنظريها إدوارد سعيد، وغيره ممن لم يغفلوا عن سياسة المستعمر ومنهم السياسى المصرى البارز منصور حسن رحمه الله، والزعيم السودانى الصادق المهدى وأيضا الروائى المصرى وجيه غالى صاحب رواية «بيرة في نادى البلياردو» وغيرهم كثيرون، هؤلاء تخرجوا جنبا إلى جنب مع أبرز الشخصيات في مجال الفن والهندسة والعلوم والسينما والاقتصاد، والسياسة والمخابرات وعالم الأعمال. كان إدوارد سعيد من الطلاب الذين انتباتهم حالة الاغتراب بين ما يدرسونه من مناهج بريطانية وتاريخ العائلات المالكة الأوروبية وبين السياق الاجتماعي والجغرافى للعالم العربي، فقال عنها في «خارج المكان»: «اتسمت حياتنا في فيكتوريا كوليدج بتشوه كبير لم أدركه حينها».

ويبدو أن موهبة إدوارد سعيد في المناظرة والجدال بدأت تتكشف تماما في فيكتوريا حيث طرده مستر جريفيث مدير المدرسة عام ١٩٥١ من الكلية لمدة أسبوعين بسبب سوء سلوكه مع المعلمين، حيث لم يكن مسموحا بمعارضة قرارات المعلم أو القائد الأول مثل عمر الشريف، وكانت تقاليد فيكتوريا كوليدج أن تُكتب تقارير عن الطلاب توضح فيها نقاط قوتهم وضعفهم وما يمكن أن يكونوا عليه في المستقبل، وجاء في تقرير سعيد أنه «فتى متوقد الذكاء، وله معرفة ممتازة وملكة تامة باللغة الإنجليزية».

بينما كان عمر الشريف الذى اشتهر بكونه صاحب الموهبة الأهم في التمثيل المسرحى لمسرحيات شكسبير وأوسكار وايلد ولعب الكريكيت بالمدرسة ما جعله نجم الكلية، ونجم هوليوود فيما بعد. وربما ذكر إدوارد سعيد عمر الشريف تحديدا في مذكراته التى كتبها بالأساس بالإنجليزية كون الشريف أصبح نجما عالميا وذائع الصيت أيضا في أمريكا أكثر منه تماما كما كان في فيكتوريا!