الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

أسواق مصر لا تعرف الكمامة.. من العتبة لحارة اليهود.. «كورونا» لم تمر من هنا.. الباعة والمشترون ينكرون وجود «كوفيد- 19».. «إزالة الإشغالات» محاولة للسيطرة على الفيروس

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
على بعد خطوات من منطقة وسط البلد يقع المركز التجارى الأكبر في العاصمة وواحد من بين أضخم الأسواق في مصر.. «هنا العتبة».. السوق الشعبية الأكبر، ومركز تجارة الجملة والقطاعى، الذى يعد المقصد الأول للملايين من سكان القاهرة والمحافظات الذين يقصدونه بهدف الحصول على سلع بسعر زهيد، ورغم ان الأسعار في سوق العتبة لم تعد «رخيصة» بحسب الكلمة الدارجة بل أصبحت مماثلة للأسعار في العديد من الأسواق الصغيرة وبعض المناطق الراقية أيضا، إلا أن «العتبة» لا تزال على رأس قائمة أسواق مصر، ولهذا استهدفناها في تحقيقنا حول مدى تطبيق الإجراءات الاحترازية وبخاصة ارتداء الكمامة.


«البوابة نيوز» أجرت جولة مطولة في أسواق العتبة والموسكى وسوق الشواذلية وشارع بورسعيد ودرب البرابرة مركز تجارة النجف والتحف والديكور في مصر وصولا إلى حارة اليهود وشارع جوهر القائد «الموسكي «2 وسوق الأزهر، ولعل السمة الغالبة فيها كانت عدم الالتزام بالكمامة، وبالكاد ترى مجموعة صغيرة من بين الآلاف من البائعين والمواطنين ترتدى الكمامة.


بدأت رحلتنا بمجرد الوصول إلى محطة مترو العتبة المزدحمة على مدى اليوم وبمجرد الخروج من المحطة تجد «الفروشات» أو الباعة الذين يفترشون الشوارع في مواجهة محطة المترو بل إنهم حاصروا المسرح القومى وجراج العتبة وسنترال الأوبرا المباني الأكبر في المنطقة المواجهة لمترو العتبة، طرقات صغيرة تركها الباعة لمرور المواطنين أو السيارات في مشهد.

الشلل المروري سيد الموقف
وبالوصول إلى ميدان العتبة، وجدنا رجل المرور يقف عاجزا عن التصرف في وسط الطريق الذى يكتسى بالباعة والمواطنين لتتوقف العشرات من السيارات، في مشهد يجسد أبرز ملامح الشلل المرورى في قلب العاصمة.
الاقتناع بالكورونا
وعلى جانب الطريق التقينا المسن السبعينى حسين الجوهرى، صاحب محل عطور، وواحد من عدد قليل يرتدي الكمامة أثناء تواجده في السوق، وبسؤاله عن هذا الكم الهائل من الباعة الجائلين وعدم التزام البائعين بارتداء الكمامة، فقال: «محدش مقتنع انه في كورونا أصلا فمحدش هيلتزم، أما البائعين فمن زمان والعتبة زي ما هى وفروشات البائعين منتشرة في كل مكان، وكلنا نتذكر ما تسببت فيه العشوائية من كوارث، بدأت قبل سنوات عندما تسببت وصلات الكهرباء العشوائية في حريق هائل بسوق غزة في موقعه القديم بشارع بورسعيد ووصولا إلى حريق العتبة في ٢٠١٦ عندما اشتعلت النيران في العشرات من المحلات التجارية بعد اندلاع حريق بأحد الفنادق وكذلك في ٢٠١٩ عندما اندلعت النيران في شارع العطار».

ويضيف «الجوهرى": «بداية الأزمة بعد ٢٠١١، فبعد اندلاع ثورة ٢٥ يناير استغل البائعون الانفلات الأمني ووضعوا أيديهم على الشوارع لنجد من كان يمتلك فرش ملابس أصبح يمتلك ٤ فروشات، والأدهى من ذلك هو أنه يسدد مبالغ شهرية لمجموعة من الأشخاص الذين يفرضون إتاوة على البائعين يدفعونها شهريا مقابل البقاء في أماكنهم، لك أن تتخيل أن البائع ليفترش منطقة ١٢٠ سم في ٢٠١١ كان يدفع ما يزيد على ٢٠٠٠ جنيه في الشهر، فما بالك في الوقت الحالى كم وصلت الإتاوة».

رحلة البحث عن كمامة
تركنا الجوهري لنتحدث إلى أحد الباعة الجائلين في قلب ميدان العتبة، ورغم كورونا يقف عبد الله أحمد ٢٧ سنة – وسط السوق بدون كمامة، وبديهيا نبدأ بسؤاله عن الكمامة، قال: «ربنا يسترها هنقعد في بيوتنا يعني.. طيب ناكل عيش منين أكل العيش مر، لو هنعمل حساب الكورونا مش هنشتغل ولا هناكل عيش هنسيب أكل عيشنا عشان الوهم».
ويضيف الشاب العشرينى: «مرينا بفترات صعبة السنة الماضية وربنا سترها وإن شاء الله ربنا يسترها علينا علشان رزقنا ورزق أولادنا».
وبمزيد من الخطوات داخل السوق وصلنا إلى شارع الموسكى وبنظرة حزن وجدنا محمد حسن – ٤٩ سنة – تاجر ملابس حريمى بالموسكى وبسواله عن أحوال السوق في زمن الكورونا، ليرد بلهجة استنكار: «انت مصدق انه في كورونا والكلام الفاضى دا.. يا رجل قول كلام غير دا كمامات ايه بس اللى نلبسها خليةا على الله.. طب وبعد ما نلبس الكمامة هتحمينا.. يا عم الحارس الله».
ويضيف «حسن": «سيبك من الكورونا والكمامة وتعالى نتكلم على لقمة العيش، احنا بنعانى الأمرين من وقت ما قفلنا المحلات وقعدنا في بيوتها في الموجة الأولى، ودى كانت أكبر غلطة عملتها الحكومة، احنا حالنا اتعطل والحكومة خيرت كتير واحنا خسرنا أكتر، فين السوق وفين البيع والشرا مفيش».

وتابع: «تعالى وأنا أكلمك عن مجالى، العباية الحريمى كنت ببيعها من فترة صغيرة بـ ١٠٠ وحتى ١٥٠ لتجار الجملة، وقت ما كان متر القماش بـ ١٦ جنيها، دلوقتى متر القماش بـ ٦٠ جنيها ومش لاقيينه لأنه مستورد، والمصرى مش موجود، العباية اللى كانت بـ ١٠٠ بقت بـ ٣٠٠ والسوق نايم ومش عارفين الحل فين.. تعرفوا انتوا تقولولنا في حل وفى أمل ولا إيه».
مأكولات لا تعرف الكورونا
وعلى الرغم من الحملات الإعلامية التى تقوم بها الدولة والنصائح والإرشادات المنتشرة في كل مكان على شاشات التليفزيون، وفى الشوارع ووسائل المواصلات إلا أن من بين المشاهد الأكثر إثارة خلال جولتنا في الأسواق هو التواجد المكثف لعربات المأكولات التي لا تعرف شيئا عن وجود فيروس خطير يدعى «كورونا» يتطلب الحرص في كل شىء وتوخى أقصى درجات الحذر وعدم ملامسة أى شىء قد يكون حاملا للفيروس، وعلى رأس درب البرابرة بمواجهة واحد من أكبر محلات المفروشات، وجدنا تجمع كبير من المواطنين حول أحد عربات المأكولات دون أدنى اهتماما بالفيروس الذي يتحدث عنه العالم أجمع.

طعم الكبدة
مشهد المواطنين المجتمعين حول عربة «الكبدة والسجق» كانت أشبه بالانتحار الجماعى، هنا التباعد الاجتماعي تحول إلى تقارب اجتماعي، وصاحب عربة الكبدة تحول من بائع للمأكولات إلى بائع للفيروسات، فلا وعى يذكر لدى البائع ولا المشترى جميعهم اتفقوا على معاونة كورونا على الانتشار والتفشى داخل المجتمع، في مشهد يتطلب كل من هو مسئول للتدخل العاجل من أجل إنقاذ حياة الملايين المترددين على السوق يوميا.
إزالة الإشغالات
ورغم التحذيرات المتكررة منذ بداية جائحة كورونا مع بداية العام الماضى، إلا أن ميدان العتبة ورواده وبائعيه ظل عاصيا، ولم يلتزم الباعة أو المواطنون بالإجراءات الاحترازية لتتخذ الحكومة قرارا برفع إشغالات الباعة الجائلين، وشنت إدارة شرطة المرافق بمديرية أمن القاهرة حملات لرفع الإشغالات بمناطق (ميدان العتبة – منطقة سوق الجوهرى – منطقة رصيف حلاوة – شارع الجيش – شارع البوستة – شارع الأزهر – منطقة بين الصورين)، أسفرت عن رفع كافة إشغالات الباعة الجائلين بتلك المناطق بشكل كامل، وقد تم تعيين الخدمات اللازمة لمنع عودة الباعة الجائلين بتلك المناطق.
واستهدفت حملات إزالة الإشغالات الحد من انتشار فيروس «كورونا» من خلال الحد من تجمعات المواطنين، وفى ظل تزايد تردد المواطنين على منطقة سوق العتبة والشوارع المؤدية لها نظرًا لتواجد العديد من الباعة الجائلين في تلك المناطق، وها هنا المشهد يتكرر، مما يدفعنا للتساؤل عن الإجراءات التي من المنتظر أن تتخذها الحكومة للسيطرة على السوق الكبرى في مصر.