عرضنا في المقال السابق تجربة مصر في ملف تنظيم الأسرة منذ سنة ١٩٦٥ وحتى اليوم. وفي هذا المقال نعرض ملف الزيادة السكانية. وتنبع اهمية زيادة النمو السكاني بوتيرة أسرع من معدلات النمو الاقتصادي على مؤشرات جودة الحياة ومستويات المعيشة ورفاهية المجتمع. فمن المعروف اقتصاديا أن الحفاظ على مستوى المعيشة الجيد فى أى مجتمع يتطلب أن يتعدى معدل النمو الاقتصادى معدل النمو السكانى بثلاثة أضعاف. فإذا كان معدل النمو السكاني أكثر من ٢٪، فيجب أن يزيد معدل النمو الاقتصادى عن ٦٪ سنويا، وهو ما لم يتحقق في مصر منذ سنوات طويلة.
وحسب التقديرات السكانية الصادرة عن الأمم المتحدة، فإن عدد سكان مصر قد يصل إلى 151 مليون نسمة مع حلول عام 2050. هذه الزيادة من شأنها أن تؤثر على الموارد الطبيعية، خاصة حصة الفرد من المياه (المعرضة للنقصان) والأمن الغذائى. فضلا عن معدلات الفقر، والاستقرار الاجتماعى. لذا فقد تبنت مصر مجموعة من السياسات والاستراتيجيات بغرض كبح جماح معدلات زيادة السكان. هذه السياسات تشمل الاستراتيجية السكانية والتنموية 2015-2030، ورؤية مصر 2030.
وفي هذا المقال نحاول القاء الضوء علي بعض الحقائق العلميه والتاريخية حول الزيادة السكانية في مصر.
أولا: الزيادة السكانية هي الفارق بين تعداد المواليد وتعداد الوفيات في زمان ومكان محددين. مثلا اذا كان تعداد المواليد (حسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء) سنة ٢٠١٩، قد بلغت (٢ مليون و٣٠٤ آلاف و ٨٣٢). وكان عدد الوفيات في نفس العام (٥٧٠ ألفا و٨٥٠) وبذلك يكون هناك زيادة سكانية تقدر ب (مليون و ٧٣٤ و ٩٨٢).
ثانيا: أنماط الزيادة السكانية:
هناك ٣ أنماط للزيادة السكانية حسب أعداد المواليد وأعداد الوفيات.
النمط الأول هو معدل مرتفع من المواليد والوفيات. وعليه لا تكون هناك زيادة كبيرة في تعداد السكان. وهذا النمط كان موجودا في مصر قبل ثورة يوليو ١٩٥٢.
النمط الثاني هو معدل مرتفع للمواليد ومنخفض للوفيات. وعليه تحدث زيادة مضطردة في تعداد السكان. وهذا النمط موجود في مصر منذ ١٩٦٥ وحتى اليوم.
النمط الثالث هو معدل منخفض للمواليد ومنخفض للوفيات. وهذا النمط موجود في البلدان المتقدمة والغنية مثل إنجلترا وألمانيا والدول الاسكندنافية.
ثالثا: معدلات الزيادة السكانية في مصر:
تؤكد بعض البرديات الفرعونية أن تعدادًا للأسر والجنود قد تم في مصر سنة ٣٣٤٠ قبل الميلاد. وخلال حكم أسرة محمد علي، تم أول تعداد رسمي للسكان سنة ١٨٨٢، ثم تلاه التعداد الثانى سنة ١٨٩٧، وبعد ذلك يتم إجراء التعداد السكاني بصورة منتظمة كل عشر سنوات حتى سنة ١٩٤٧. وبعد ثورة ٢٣ يوليو ٥٢، تم عمل تعداد للسكان فى عهد الزعيم جمال عبدالناصر سنة ١٩٦٦، ووصل عدد السكان إلى ٢٩ مليون نسمة. وفى عهد الرئيس أنور السادات، بلغ عدد السكان (٣٦.٦ مليون نسمة) سنة ١٩٧٦. وفى عهد الرئيس مبارك، بلغ عدد سكان مصر (٤٨.٢ مليون نسمة) سنة ١٩٨٦. وبلغ (٥٩.٣ مليون نسمة) سنة ١٩٩٦. وفي سنة ٢٠٠٦، وصل عدد السكان إلى (٧٢.٨ مليون نسمة).
وفى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى وصل عدد السكان إلى (٨٦.٧ مليون نسمة) سنة ٢٠١٤. وفي يوم ١١ فبراير سنة ٢٠٠٠، بلغ عدد سكان مصر ١٠٠ مليون نسمة.
رابعًا: تعداد السكان خلال العقد الأخير (٢٠١١-٢٠٢٠):
شهدت المدة بين عامي ٢٠١١ وحتى العام ٢٠١٤، وهي الفترة التي صاحبت ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ وما بعدها، قفزة غير مسبوقة في معدلات زيادة السكان. ففي عام ٢٠١١ وصل عدد السكان ٨٠.٥ مليون نسمة، ووصل عدد السكان فى ٢٠١٤ وصل إلى ٨٦.٨ مليون نسمة. وبعد تولى الرئيس السيسى، حدث تراجعا لمعدلات النمو السكانى بداية من عام ٢٠١٤ وحتى عام ٢٠٢٠. حيث بلغت نسبة الزيادة فى عام ٢٠١٤ حوالى ٢.٧٢ مليون نسمة. وفى عام ٢٠١٥ تراجعت نسبة الزيادة وسجلت ٢.٦٨، وفى عام ٢٠١٦ بلغت الزيادة السكانية ٢.٦. وفى عام ٢٠١٧ بلغت الزيادة ٢.٥ مليون نسمة. ويوم ١١ فبراير ٢٠٢٠، بلغ عدد سكان مصر ١٠٠ مليون نسمة.
ونستكمل الحديث عن أهم معوقات التقدم في ملف الزيادة السكانية وملف تنظيم الأسرة في المقال القادم بإذن الله تعالى.