اكتسب الاقتصاد الدائري أهمیة سیاسیة وتجاریة بفضل مجهودات المنظمات غیر الربحیة، والمنظمات الحكومیة الدولیة، ویسهم الاقتصاد الدائري بشكل كبیر في الحد من تدهور البیئة، واستنزاف مواردها الطبیعیة، والحفاظ على التنوع البیولوجي، والاستفادة من النفایات بتحویلها لمشروعات إنتاجیة عملاقة، والحد من مخاطر التغیرات المناخیة.
والاقتصاد الدائري هو عبارة عن نموذج اقتصادي يستهدف تقليل المهدر من المواد والسلع والطاقة والاستفادة منها قدر الإمكان، بحيث يتم خفض الاستهلاك والنفايات والانبعاثات، وذلك عن طريق تبسيط العمليات وسلاسل الإمداد، كما قد يتم تعريفه على أنه مصطلح عام يعني الاقتصاد الصناعي الذي لا ينتج نفايات أو يحدث تلوثا، من بداية تصميمه ومنذ النية في إنشائه ويعود مفهوم الاقتصاد الدائري إلى عام 1976، الذي نادت به سويسرا والتي طرحت هذا النموذج الاقتصادي، والذي مفاده أن الاقتصاد الدائري يعمل على الحفاظ على قيمة المنتجات وإدارة المخزون ورأس المال الطبيعي والبشري والمصنّع والمالي، ويتطلع هذا النموذج الاقتصادى إلى إطالة عمر المنتجات في مرحلة الاستخدام، من خلال الحفاظ على قيمتها وتعتبر عملية إعادة التدوير أفضل خيار لإعادة الاستخدام.
ويهدف الاقتصاد الدائري إلى إبقاء المنتجات والمكونات والمواد الخام في أعلى قيمة وفائدة في جميع الأوقات من خلال إعادة تنظيم الإنتاج والاستهلاك حول أربعة عناصر رئيسة وهي: إعادة تصميم سلاسل التوريد، والابتكار وتطوير التكنولوجيا، والتغيير في سلوك المستهلكين والسياسات والتنظيمات، التي تمكّن لهذه التغييرات، ويسهم الاقتصاد الدائري أيضًا في تعظيم الاستفادة من جميع المواد الخام والمعادن والطاقة والموارد بمختلف صورها، فضلًا على إطلاق عمليات إعادة التدوير والاستخدام وإعادة التصنيع والتطوير، بدلًا من نمط الهدر وإلقاء النفايات، وكذلك التعريف بقيمة الأشياء وأهمية الاستخدام الفعال وتقليل الآثار السلبية الناجمة عن الأنماط الاقتصادية التقليدية، كما أنه يسهم في خلق فرص اقتصادية واستثمارية أفضل للشركات والمؤسسات، فضلًا على المزايا البيئية والاجتماعية، كما يهدف الاقتصاد الدائري إلى الحفاظ على استخدام المنتجات والمعدات والبنية التحتية لفترة أطول، وبالتالي تحسين إنتاجية هذه الموارد، فكلما جرى تناقل الموارد عبر عمليات المعالجة المختلفة، أو من خلال إعادة الاستخدام أو الإصلاح أو إعادة التصميم أو إعادة التصنيع، قلت الحاجة إلى مواد خام جديدة، وتناقصت كمية المخلفات، كما يلعب القطاع الخاص دورًا أساسيًّا في توسيع نطاق تطبيق الحلول الدائريّة التي تحمل بدورها فرصًا له، فالشركات الخاصّة منها متعدّدة الجنسيّات- تستطيع التأثير بشكل كبير على سلوك المستهلك خاصّة أن عمليّاتها تمتد إلى دول عديدة وتشمل سلسلة التوريد، شبكة التوزيع والملايين من المستهلكين.
ومن ناحيه أخري فإن الاقتصاد الدائري قد يسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في مصر، حيث إن إجمالى المخلفات المتواجدة في مصر تبلغ 26 مليون طن سنويًا،والإستراتيجية الوطنية الخاصة بالمخلفات خصصت 20% منها لإنتاج الكهرباء، و60 % لتصنيع الأسمدة والوقود البديل، و20% يتم دفنها، كما يبلغ إجمالي الفرص الاستثمارية لتنفيذ مشروعات لإنتاج الكهرباء من المخلفات نحو 974 مليون دولار، ونحو 319 مليون دولار لتنفيذ مشروعات إنتاج الأسمدة والوقود البديل، ووفقًا لإستراتيجية وزارة البيئة- جار إعداد البنية الأساسية والمحطات الوسيطة وإنشاء المدافن الصحية للتخلص من النفايات حتى عام 2027 بالتعاون مع وزارة الإنتاج الحربى والهيئة العربية للتصنيع.
ويعتمد الاقتصاد الدائري على ثلاثة محاور رئيسيه في نظام العمل به هي: إعادة تجديد نظام الطبيعة، تصميم نظام للمخرجات والنفايات، واستمرارية استخدام المنتجات والمواد، حيث إنه من المتوقع ان تبني النظام الاقتصاد الدائري من شأنه أن يقلل انبعاث ثاني أكسيد الكربون بنسبة 48% بحلول عام 2030، ويخفض كلفة النظام الصحي والغذائي بـ550 مليار دولار، ويقلل الازدحام المروري بنسبة 47%، ولقد بدأت بعض الدول مثل أسكتلندا في وضع إستراتيجية وطنية للتحول نحو هذا النظام الجديد، كما بدأت بعض الجامعات والجهات التعليمية في طرح برامج دراسات عليا في أساليب الاقتصاد الدائري.
ويشير تقرير منتدى الاقتصاد العالمى على أن التحول نحو الاقتصاد الدائري- سيوفر على العالم تريليون دولار بحلول عام 2025 وسيولد مئات الآلاف من الوظائف خلال السنوات المقبلة وكذلك أشار تقرير للمفوضية الأوروبية إلى أن الاقتصاد الدائرى سيحد من انبعاثات الكربون في الاتحاد الأوروبى وحدها بما يقارب 450 مليون طن سنويا وتحقيق منفعة تصل إلى 14 تريليون يورو بحلول 2030.
وأخيرًا: إن التحول إلى الاقتصاد الدائرى أمر ليس سهلا ويحتاج لوضع خطط محددة يلتزم بها المجتمع ككل وليس رجال الأعمال فقط، فالأساس يصبح المشاركة وليس الامتلاك للمنتجات، بل تقديم الخدمات بمقابل والتأجير للمنتجات مثل العجل، السيارات، إضاءة المنزل وغيرها وكذلك إعادة تدوير المنتجات وكل ذلك سيسهم في خفض نسب التلوث البيئى والانبعاثات الحرارية.