تصر إسرائيل وأمريكا على إطلاق مصطلح السلام الإبراهيمي وتركز وسائل الإعلام الغربية على التسمية الإبراهيمية وتكرارها، ليصبح مصطلحا مألوفًا وعاديا مع مرور الأيام وقبلها بعدة سنوات كانت هناك محاولات لاختراع ديانة جديدة تأخذ المشترك بين الاأديان السماوية الثلاث وتنحى المختلف عليه وهى فكرة ذكية ربما تخدع العوام لأن اليهود مثلا لا يؤمنون بالمسيحية ولا الإسلام، والمسيحيين لا يؤمنون بالإسلام بينما المسلمون يؤمنون بالكتب السماوية الثلاث ولا يكتمل إيمانهم إلا بالإيمان بالمسيحية واليهودية، وكان الهدف إدماج إسرائيل فى المنطقة تحت مسميات الشرق الأوسط أو الولايات الإبراهيمية بديلا للولايات العربية.
وكلها محاولات ضمن أكذوبة كبرى تبدأ بصياغة دين جديد يسمى بـالدين الإبراهيمى لجمع الناس تحت راية لا يختلف عليها اثنان، من خلال جمع أهم التعاليم المشتركة بين الأديان السماوية الثلاثة، ونبذ مواطن الاختلاف بينها، ووضعها فى قالب جديد يسمى الدين الإبراهيمى لتجريد الديانات من خصوصياتها. وهذا الدينُ الجديدُ يحملُ أهدافًا سياسية بحتة، إذ يسعى لـتمكين الولايات المتحدة وإسرائيل منْ بسطِ سيطرتِهما وتحقيقِ أطماعهما فى الشرق الأوسط، وبالطبع هناك ذكاء فى صياغة الاسم والمحتوى؛ لأنه عندما يذكر اسم سيدنا إبراهيم «عليه السلام»، لا يختلف عليه اليهودى أو المسيحى أو المسلم؛ نظرًا لقيمته العظيمة فى كل ديانة على حدة، وبالتالى مثل هذا الأمر يمكن أن يكون مقُنعًا لأى شخص، عندما يتم توجيه الخطاب إليه تحت هذا الفكر.ففى اليهودية هو أصل الديانة وأبوإسحاق، كما أن إبراهيم هو الذى حصل - بمفهوم العهد القديم - على الوعد الإلهى بامتلاك الأرض من النهر إلى البحر، أما عند المسيحية، فيمثل سيدنا إبراهيم الأصل العرقى لـبنى إسرائيل الذين خرج من بينهم المسيح عيسى «عليه السلام»، من جهة أمه مريم.كذلك بالنسبة للإسلام يمثل سيدنا إبراهيم قاعدة التوحيد والديانة الحنيفية، كما هو مذكور فى قوله تعالى: «مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ»، وكذلك الإسلام يتبع الملة الحنيفية: «ملَّة أبيكم إبراهيم» وفكرة حل النزاع عبر المشترك الدينى ونقله إلى الخريطة السياسية أمر خطير؛ خاصة فى تزييف التاريخ وتغييره وربطه بتأويل للنص الدينى، وفقًا لأصحاب الحق الأصلى فى ظل براعة مفاوضين وإجادتهم لاستخدام تكتيكات يفتقدها البعض قد تهدد مستقبل المنطقة، وهم يركزون الحديث عن أن القواسم المشتركة بين الأديان هو ما سيمهد الطريق لقبول أفكار مشتركة فى ظل القيم السماوية العليا التى يقبلها الجميع، التى لا تشكل مشكلة لدى أنصار وأتباع الديانات لتكون مدخلًا لحل الصراع العربى الإسرائيلى، وخطورة الحديث عن «إعطاء الحق للشعوب الأصلية»؛ لأنها تعنى عمليًا استيلاء إسرائيل على القدس كاملة، خاصة أن المفاوض الإسرائيلى والغربى يروجان بوسائل مختلفة لحقوق اليهود التاريخية فى القدس، بالحديث الزائف عن «مملكة داود» ككيان سياسى وأن اليهود هم أهل كنعان، وأن اليهودية سبقت المسيحية والإسلام، وتمهد هذه المفاهيم التى يجرى الترويج لها لتنفيذ ما يسمى بـ«الدولة الإبراهيمية» التى ترتكز على إعطاء الحق لأصحابه الأوائل، وهم اليهود، حسب زعمهم.
وكانت صفقة القرن جزءًا مما يجرى تنفيذه على الأرض يوميًا من مخطط التحول الثقافى العقائدى السياسى وصولا إلى كيان الولايات المتحدة الإبراهيمية التى تمتد من المحيط إلى الخليج، وما يجرى يتعدى فلسطين التاريخية ويمتد إلى إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل؛ حيث المسار الإبراهيمى فى التوراة، ويمر مشروع الولايات المتحدة الإبراهيمية بتصفية القضية الفلسطينية دون أى حلول عادلة لها، وصفقة القرن ستكون المرجعية النموذجية المعتمدة لأى حل مستقبلى. وجوهر ما يحدث حسب الرواية التوراتية هو تهيئة الأرض لنزول الماشيا أو المسيح المخلص أو المهدى المنتظر؛ لكن طبقا لمفاهيم العهد القديم، ولكن بقيادة الحركة الصهيونية والإنجيليين، وإذا أردنا تتبع المسار العقائدى لمشروع الولايات المتحدة الإبراهيمية، فعلينا مراقبة ما يجرى وسيجرى مستقبلا فى القدس وتحديدًا فى الحرم القدسى؛ فما سيجرى فيه سيكون نموذجًا لما سيكون عليه الحال فى كل المعالم العقائدية فى المنطقة.ولقد نوه كوشنر صهر ترامب ومبعوثه للمنطقة إلى معالم المستقبل فى المنطقة عندما قال فى إحدى القنوات الأمريكية، إن الحدود السياسية لن يكون لها قيمة مستقبلا فى المنطقة؛ وما قاله ليس نبوءة؛ بل رؤية لمشروع يتم تنفيذه بصمت وبخطى محسوبة. وواقعيًا يكفى لنا أن نلقى نظرة على المنطقة من النيل إلى الفرات، لنرى معالم المشروع؛ وقد بدأت تتضح ثقافيًا وسياسيًا؛ كما أن الحدود فعليًا قد انتهت بين العديد من دول المنطقة بفعل انهيار العديد منها؛ كما حدث فى العراق وسوريا واليمن وليبيا؛ وها هى لبنان على حافة الهاوية؛ ومثل هذه الدعوات وطرح كتاب دينى ليس بالجديد، فعندما يفشل أى نموذج يحاولون طرح نموذج آخر بعد تطويره. وكطرح بديل لنظرية «هنتنجتون» حول «صدام الحضارات»، ونظرية «فوكوياما» حول «نهاية التاريخ»؛ بهذا المعنى، فإن الأمر يتطلب ضرورة الوقوف على مغزى هذا الطرح عبر التقارب بين الأديان السماوية للوصول للمشترك الدينى، وتنحية النصوص المختلف عليها عبر إعادة قراءة النص وقد حاول الإنجليز نشر مذهب يدعى القاديانية فى الهند، للتقريب بين الديانات الثلاثة، ثم ظهرت منذ عدة سنوات فرقة البهائية، وأصدروا كتابًا دينيًا خاصًا بهم، يتضمن مجموعة من التعاليم المشتركة بين الديانات السماوية الثلاث، وبرغم الدعم المقدم لهم من قبل إسرائيل وأمريكا، ووجود أهم محفلين للبهائيين بحيفا وأمريكا، فإن نسبة انتشارهم لا تذكر، فبرغم بقائهم فإن أتباعهم ما زالوا أقلية لا تأثير لهم.