يمكن للمصيبة أن تنال منك وأنت جالس في بيتك، تنال منك رغم أنك أحكمت غلق بابك، تأتي المصيبة وأنت الذي قررت المشي بجوار الحائط لكي تتحاشى جبروت موظف أو تتفادى قانون غشوم.
كل الإجراءات الاحترازية التي تتخذها لكي تعيش في سلام تذهب أدراج الرياح، طالما اسمك مكتوب، ولو بقلم باهت عند موظف حكومي، خاصة موظفو الأحياء ودولتهم الموازية لجمهورية مصر العربية.. معروف منذ قديم الأزل أن موظف الحي وكان اسمه في التاريخ المجلس البلدي هو موظف مختلف عن سائر الموظفين.. وكتب عنهم بيرم التونسي كثيرًا فيقول مثلاً:
يا بائعَ الفجلِ بالمِلِّيـمِ واحدةً
كم للعيالِ وكم للمجلسِ البلدي.
والمجلس البلدي، في الزمن القديم، هو الحي في زمننا الحالي، وعن نفسي ومن عدة تجارب خلال السنوات القليلة الماضية؛ تأكدت أن الدخول إلى قسم الشرطة في مصر صار أكثر رحمة من الدخول إلى أي مقر حي من الأحياء في مصرنا المحروسة.
أكتب هذه المقدمة الطويلة دفاعًا عن كاتب مصري صحفي مخضرم، وكاتب رواية محترم، يبلغ من العمر 83 عامًا، اسمه محمد جبريل.
ولقد نجح حي النزهة أن يكتب فصلًا حزينًا لكاتبنا الكبير المعتكف في بيته، حيث تقدم الحي ببلاغ ضد جبريل، يتهمه بعدم تنكيس عمارة لا يملكها الكاتب أصلا، لكنه يملك شقة واحدة فيها.. لتقضي المحكمة بالسجن لمدة عام لرجل قدم عمره كله يزرع الورود في حدائق الإبداع.. الرجل صاحب البصمات البيضاء على أكثر من جيل من المبدعين، خاصة في الأقاليم عندما كان جبريل مسؤولًا عن الثقافة بجريدة المساء.
كتب زميلنا يسري حسان أكثر من مرة مطالبًا بسرعة التدخل وتصحيح الخطأ الذي ارتكبه حي النزهة ضد جبريل، ولكن لا حياة لمن تنادي.. اكتفى المحافظ بوعد لم يتحقق وغابت نقابة الصحفيين أما جيش المراكز الحقوقية الممولة فلا يعنيه قضية من هذا النوع.
يقول يسري حسان، القريب من جبريل والمتابع للقضية: «رفض الحى منح أستاذنا خطابًا واضحًا وصريحًا، يؤكد أنه مجرد ساكن في العمارة ولا يملك سوى الشقة التي يقيم فيها، والحي يعرف جيدا أن مثل هذا الخطاب هو الإنقاذ الوحيد لجبريل، لكنه يعرف أيضًا أن الخطاب يدين مهندسة الحي التي كتبت التقرير».
معالجة قضية الروائي الكبير محمد جبريل، لن تتم باتصالات تليفونية لتطييب الخاطر، ولكنها تتم بتدخل حاسم من وزير التنمية المحلية شخصيًّا دون الدخول في معاندات بيروقراطية أو استناد على أوراق قد تكون وهمية لإثبات سلامة موقف موظفي الحي.
نحن أمام قضية بالغة الإنسانية.. محمد جبريل لم يعرف طوال حياته في مهنة الصحافة سوى العطاء بصدق والإخلاص في العمل والتفاني في سبيل تقدم بلادنا.. كنا ننتظر تكريمًا يليق باسمه.. ننتظر أن يقرر حي النزهة إطلاق اسم محمد جبريل على الشارع الذي يسكن فيه، ولكن بدلًا من ذلك أطلق الحي مخزون الغضب في صدور كل من تعامل مع جبريل من أدباء مصر في كل المحافظات.
لا نفقد الأمل.. نكتب وننتظر لأن مصر ليست بهذه القسوة، وأن هناك من يتابع ما نكتبه ليتخذ الموقف المناسب الذي يغلق هذا الملف، ووقتها سنكون له من الشاكرين.