رغم أن المعطيات الإقليمية والتشابكات الدولية فرضت- حتى وقت قريب- قيودًا على التحرك المصري في الإقليم، إلا أن الدولة المصرية تعاملت مع التحديات الأمنية، من خلال عدد من الإستراتيجيات التى جرى تطبيقها لمواجهة التهديدات الإرهابية ليس فقط التى تواجه مصر بل التى تواجه الإقليم والعالم، ورصدت الباحثة خلود السواح المدرس المساعد بإعلام الزقازيق أربع إستراتيجيات في هذه السبيل نستعرضها في هذا المقال.
وأول هذه الإستراتيجيات هى «إستراتيجية العقاب المحدود»، وتسعى هذه الإستراتيجية بالأساس لردع ممارسات محددة تمارسها هذه الجماعات أو ربما تخطط لها، عبر وسائل تمثل أشكالًا رمزية من العقاب الموجه ضدها. بالنسبة للقوات المسلحة، قد يتمثل ذلك في المواجهة التى تستهدف خطوط إمداد تلك الجماعات «عبر دعم غارات بطائرات مقاتلة أو من دون طيار»، أو من خلال استهداف بعض معسكرات وأماكن تمركز تلك العناصر عن طريق الغارات الجوية أيضًا، أو عبر عمليات معقدة لعناصر من الكوماندوز. من بين الأمثلة على هذه الإستراتيجية الغارات الجوية التى نفذها سلاح الجو المصرى داخل الأراضى الليبية في فبراير 2015، عقب قيام عناصر داعش في ليبيا بتصفية نحو عشرين من الأقباط ممن يعملون في ليبيا، حيث سعت تلك العملية إلى ردع تلك الجماعات عن القيام بهذا النوع من العمليات، من خلال إيصال رسالة مفادها أنه، وبرغم بُعد الشُقة، لن تتسامح مع النشاط الإرهابى داخل الحدود.
والإستراتيجية الثانية التى انتهجتها الدولة المصرية في حربها على الإرهاب هى «إستراتيجية التعطيل والتحييد»، والتى تهدف إلى إضعاف الفواعل العنيفة خارج الحدود، بما يكفى، لئلا تتمكن من تصدير العنف والإرهاب، إلى داخل البلاد. كذلك قطع خطوط التواصل بين الفواعل العنيفة داخل البلاد ومثيلاتها فيما وراء الحدود، بهدف حرمان الأولى من الدعم القادم لها من الخارج. من ذلك أيضًا قطع الطريق على كل محاولة لتحويل الجوار الجغرافى إلى مناطق دعم لوجستى والسياسات ذات الطابع الأمني التى باشرتها مصر على الحدود مع كل من غزة وليبيا.
وتنظر المؤسسة الأمنية المصرية إلى حماس كفاعل رئيس مشترك في عمليات «أنصار بيت المقدس»، كونها مسئولة عن المنطقة التى تمثل الفناء الخلفى الضرورى لاستمرار عملياتها. ومن هنا، فالصلة بين حماس في غزة والحملة الإرهابية المسلحة في سيناء، هى السبب في إنشاء مصر منطقة أمنية محظورة بعرض 3 كم على امتداد الحدود مع غزة. وقد عملت كذلك على تدمير البنية التحتية الممتدة من الأنفاق التى شيدتها حماس، وتم استخدامها لتهريب أسلحة والعناصر الإرهابية.
كما عمقت القاهرة صلتها يومًا بعد الآخر مع برلمان طبرق، ومع شخصيات وقوى معادية لمليشيات «فجر ليبيا».. وفى هذا السياق، وقعت الحكومة المصرية اتفاقًا عسكريًا لمدة خمس سنوات مع مجلس النواب «طبرق» يسمح «باستخدام ثنائى للمجال الجوى لكلا البلدين لأغراض عسكرية» و»تبادل الدعم العسكرى البرى» في مواجهة أية تهديدات أو أعمال عدوان.
كما وظفت مصر إستراتيجية «دعم الحلفاء عبر الحدود»؛ فمنذ 30 يونيو 2013 حتى النصف الأول من العام 2015 تقريبًا، ظلت قضية ليبيا مثل قضية غزة، بالنسبة لمصر، تُفهَم فقط في سياق علاقتها بالاستقرار الداخلى لمصر. ولهذا بقيت المقاربة المصرية بشأنها تتمركز حول الأمن فقط. لكن بمرور الوقت، ومع تخطى مصر المرحلة الحرجة في مواجهة إرهاب الداخل طوال العام 2015، كذلك مع تغيرات طرأت على المعطيات الإقليمية والدولية المحيطة بالأزمة الليبية، بالتزامن مع نجاح القاهرة في استعادة علاقاتها الدولية... بدأت القاهرة في تغيير مقاربتها إزاء الصراع في ليبيا، لتمتد إلى الأبعاد السياسية والدبلوماسية البناءة، إلى جوار المكون الأمني.
وعندما يتعلق الأمر بما وراء الحدود المصرية، تتبنى الدولة المصرية إستراتيجية تركز أكثر على «الاستقرار عبر الاحتواء السياسي». وهكذا يبدو الموقف المصرى من الصراعات في سوريا والعراق واليمن. أى أن «مصر «تعارض أى تغيير في الأنظمة أو الحدود. ومنها دول ليست حليفة بالضرورة.
إنه موقف يتأسس على دعم الاستقرار، وليس المضى على طريق تعزيز أجندات إقليمية؛ فعلى صعيد الأزمة السورية، نأت مصر بنفسها بعيدًا عن فكرة تغيير النظام في سوريا، خاصةً مع انتشار داعش على كلا الجانبين من الحدود السورية- العراقية، والتحاق عديدٍ من المتشددين المصريين بالقتال هناك، بل ولعل البعض داخل المؤسسة الأمنية المصرية قد مضى لما هو أبعد من ذلك، باعتبار قتال الأسد ضد داعش قضية مشتركة. في السياق ذاته، كان الرئيس السيسي قد خطا، في تصريحاته لصحيفة الاتحاد الإماراتية في يناير 2015، خطوةً إضافية عندما لخص الموقف بأن سوريا بالغة الأهمية بالنسبة للأمن القومى العربى والمصري، وما يجرى فيها يمس بصورة مباشرة مصر، سلبًا أم إيجابًا، وأن وحدة سوريا هدف رئيس للسياسة المصرية، بما يعنيه ذلك وحدة وحفظ مؤسسات الدولة السورية ومنع انهيارها.
وهكذا، فإن إدراك الدولة المصرية في حربها على الإرهاب لخطورة التحديات التى تواجهها، وخاصة بعد اندلاع الموجة الرابعة من الوجات الإرهابية التى شهدتها مصر والإقليم، والتى بدأت عقب ثورة يونيو 2013 كان إدراكًا دقيقًا. ولم يتوقف الأمر عند هذا الإدراك فقط، فقد نجح نظام 3 يوليو في تطوير رؤية وإستراتيجية متكاملة للتعامل مع هذا التحدي، لم تقف عند الأبعاد الداخلية لتلك الظاهرة الخطيرة، ولكنها استحضرت أيضًا الأبعاد الإقليمية والدولية لظاهرة التنظيمات الإرهابية، سواء فيما يتعلق بطريقة عملها، أو فيما يتعلق بإستراتيجيات مواجهتها.