عاد ملف تنظيم الأسرة والزيادة السكانية إلى صدارة التحديات التي تواجه الإدارة المصرية وهي تسعي إلى تحقيق نمو اقتصادي وتحسين جودة الحياة للمصريين. وبالرغم من حفاظ مصر علي تحقيق معدل نمو اقتصادي إيجابي خلال عام ٢٠٢٠، رغم كل الظروف الدولية وجائحة الكورونا، إلا أن الزيادة السكانية الهائلة أصبحت تلتهم كل مساعي الحكومة للنمو والتطوير والحداثة. وخاصة بعد أن وصل تعداد السكان داخل مصر أكثر من ١٠٠ مليون، حوالي ٧٠٪ منهم أقل من سن الثلاثين. وأصبحت مصر الدولة الأكثر سكانًا في الشرق الأوسط، وثالث دولة في أفريقيا بعد كل من نيجيريا واثيوبيا.
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد لفت النظر إلى خطورة الزيادة السكانية، وتأثيرها السلبي علي معدلات التنمية خاصة جودة التعليم والإسكان وتطوير العشوائيات والطرق والصحة وغيرها. وكذلك فعل الكاتب الصحفى رفعت فياض في مقاله الأسبوعي بجريدة أخبار اليوم "سطور جريئة" بعرض آخر لقضية الزيادة السكانية وملف تنظيم الأسرة.
وتعجب فياض لإقدام بواب العمارة التي يسكن فيها علي إجراء عملية حقن مجهري لزوجته بمبلغ ٤٣ الف جنيه، رغم أنه أب لثلاثة ابناء من زوجته هذه، ولكنه يرغب في المزيد.
وكانت ردوود الافعال علي المقال قد لفتت الانظار الي خطورة هذ الملف، والجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية المحيطة به، وحيث إنني متابع لملف تتظيم الاسرة، بحكم تخصصي، فقد قررت القاء الضوء علي هذا الملف الشائك، والنجاحات والاخفاقات التي صاحبته منذ إنشاء المجلس الأعلى لتنظيم الاسرة سنة ١٩٦٥ وحتي اليوم.
وتاريخيا، شهد هذا الملف العديد من فترات الاهتمام والعناية، بدءًا من ترأس مجلسه الأعلى برأس الدولة، وفترات من الاهمال والتهميش، وتراجع الاهتمام به، إاسناده الي نائب لوزير الصحة، منذ سنة ١٩٦٥ وحتي الان.
كان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أول من أنشأ المجلس الأعلى لتنظيم الأسرة، وأسند رئاسته الي رئيس مجلس الوزراء سنة ١٩٦٥. وفي عام ١٩٧٢، عدّلَ الرئيس الراحل محمد أنور السادات القرار ليكون المجلس تحت رئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء.
وفي منتصف الثمانينيات، أنشأ الرئيس الاسبق محمد حسني مبارك المجلس القومي للسكان، برئاسته، وتم تعيين الدكتور ماهر مهران، أستاذ النساء والتوليد بطب عين شمس كأول مقرر للمجلس القومي للسكان، ثم عينه وزيرا لشؤون الدولة للسكان في سنة ١٩٩٣. وفي عام ١٩٩٤، استضافت القاهرة المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، وشهد ملف السكان وتنظيم الاسرة زخما مصريا ودوليا غير مسبوق. وفي عام ١٩٩٦، تم تعدل تبعية المجلس القومي للسكان لرئيس مجلس الوزراء مرة أخرى، وفي عام ٢٠٠٢ تم تعدل القرار مرة أخرى ليصبح المجلس تحت رئاسة وزير الصحة والسكان. ثم عاد مرة أخرى في عام ٢٠٠٧ لرئاسة رئيس مجلس الوزراء، وتم تشكيل مجلس إدارة مكون من ٥ وزراء.
في عام ٢٠٠٩ أصبح المجلس القومي للسكان برئاسة وزير الدولة لشؤون الأسرة والسكان. أي أنه تم تقليل رئاسة المجلس القومي للسكان من رئيس الجمهورية الي رئيس الوزراء الي وزير الصحة والسكان إلى وزير دولة لشئون الاسرة والسكان خلال حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك. وفي عام ٢٠١١ أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة قرارًا بأن يتبع المجلس القومي للسكان وزير الصحة والسكان.
ومنذ عام ١٩٨٠ وحتى الآن، أنفقت برامج تنظيم الأسرة قرابة الثلاثة مليار جنيه، وأنشأت أكثر من ٦٠٠٠ وحدة تنظيم أسرة في جميع محافظات مصر.
وخلال حقبة الثمانينيات ومابعدها، بدأت حملات التوعية لاستخدام وسائل منع الحمل، مثل اللوالب، وأقراص منع الحمل تحت رعاية قرينة رئيس الجمهورية، السيدة سوزان مبارك.
ومن القصص اللطيفة التي حكاها أستاذنا الدكتور عز الدين عثمان، أستاذ النساء والتوليد بجامعة المنصورة، أنه ذهب ذات مرة لدعوة وزير الصحة لحضور مؤتمر قومي عن تنظيم الأسرة، ولكن الوزير اعتذر عن عدم الحضور نظرا لمشغولياته. في نفس المؤتمر نجح المنظمون في أن يجعلوا المؤتمر تحت رعاية السيدة سوزان مبارك، والتي حرصت علي افتتاح المؤتمر. وكانت المفاجأة أن معظم الوزراء، ومنهم وزير الصحة قد شاركوا في افتتاح المؤتمر، بل حرصوا علي المشاركة في جلسات المؤتمر وحلقاته النقاشية. وفي رأي أستاذنا الدكتور عز الدين عثمان أن نجاح ملف تنظيم الأسرة في مصر قد ارتبط صعودا وهبوطا باهتمام القيادة السياسية به، وأنه من الضرورة ان يبقي البرنامج تحت اشراف القيادة السياسية مباشرة. وللحديث بقية.