جاء على مصر حين من الدهر كانت جنباتها تزدحم بألوف من المبدعين والمثقفين والعلماء والفلاسفة والسياسيين والفنانين والصنايعية المهرة، وكل هؤلاء كانوا نتاج الفترة الليبرالية التي سبقت يوليو ٥٢، عندما كانت في هذا البلد حرية صحافة وأحزاب وتداول للسلطة، ونزاهة في الانتخابات، وكان المناخ العام مهيأ للإبداع والتجربة قابلة للتكرار لأن هذا البلد في أمس الحاجة لنخبة جديدةً، ولكننا قبل ذلك محتاجون طاقات معنوية ونفسية وروحية إضافية، القدرات العادية ممكن تكون كافية في الظروف الطبيعية، ولكننا نعيش في ظروف عصبية وعصيبة وانفعالية بصورة غير طبيعية وغير معتادة. مصر تحتاج الآن لتيار سياسي بأهداف واضحة، وعمل هاديء يصنع سياسات وحلول لدولة تواجه تحديات صعبة وتحاول حلها بسياسات مبدعة بعيدا عن خلل الأولويات، ومن المؤكد أن مصر تملك الآن عقول مرت بخبرات ليست قليلة، تعلمت الكثير من تجاربها، وقد حان وقت أن تستفيد بلدنا من قدرتها.منهم من زهد ومنهم من تعب ومنهم من يأس، لكن من قال إن نهضة الشعوب وتجارب الانتقال الديمقراطي كانت هينة، وظنى أن أعضاء البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب للقيادة، ثم الأكاديمية الوطنية للتدريب، ومبادارت أخرى، صارت تلعب الدور المهم في تزويد الحياة السياسية بكوادر مدربة، وسوف يتضح ذلك بصورة كبيرة في الانتخابات المحلية المقبلة إضافة إلى غالبية الاستحقاقات الانتخابية الأخرى.
سيكون تحديًا حقيقيًا أن نستطيع أن نقنع الناس بأن هناك ما يمكن عمله، وأن نقنع الناس بالمشاركة في عمل سيستغرق سنوات، من دراسة تجارب العالم في التعليم، الصحة، الصناعة، الاستثمار، العدالة الانتقالية والانتقال الديمقراطي. من المهم جدا أن نقنع الناس، هو أيضا أمر صعب ! فالخوف كبير واليأس أقرب وعدم المحاولة أسهل وأكثر أمنا.
وقد خلقنا الله مختلفين في النوع وفى العرق وفى اللون وفى العقيدة وفى القناعات، والأصل أن تتسع مصر لكل أبنائها، من ينشد الرزق، ومن ينشد الحرية، ومن ينشد العدل، ومن ينشد العلم، ومن ينشد الكرامة، ومن ينشد الإنصاف، سواء في ذلك من يختلف مع الحكام ومن يطاوعهم، ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة ولغة واحدة وهيئة واحدة، ولكن الله جلت قدرته جعل في الاختلاف آيات لأولي الألباب، ولذلك خلق كل شيء في الكون زوجين، الرجل والمرأة، والسماء والأرض، والجبال والمحيطات، والجنة والنار، والليل والنهار، والشمس والقمر، والملائكة والشياطين، ليظل الله هو الواحد الأحد فقط سبحانه وتعالى، وهكذا فإن الاختلاف قيمة وثراء ومع تطور المجتمعات والأمم وقد أصبحت عملية إدارة الاختلاف والتنوع أهم وظيفة للدولة ونظم الحكم وصولا لصيغة الإجماع وحكم الأغلبية وقوة القانون والدستور والعقد الاجتماعي ووضع نظام حاكم للعلاقة بين كل أطياف المجتمع وبين الحاكم والمحكوم بحيث يخضع المخالف والمنتهك للقانون والدستور والعقد الاجتماعي للعقاب... لذلك ترسخ مفهوم أن المعارضة التى تحترم هذا السياق هى جزء من النظام ولا تنفصل عنه ولا تعمل بمعزل عنه، وتتوافر لها الضمانات الكافية للتعبير والحرية والحركة وللأدوات الأخرى مثل الفن والإبداع والصحافة والإعلام ويلزمنا أن نتوافق جميعًا على هذه القاعدة الموجزة:
إن المعارضة الوطنية هي الوجه الآخر للنظام، وأن وجودها شيء مهم لصحة وسلامة الأوطان، ومن حقها النقد ومساءلة المخطئ بل ومحاسبته بدون أدني انتقاص ولا إخلال بحقه الكامل في الدفاع عن نفسه وتبرئة ساحته مما يُنسب إليه من إخلال بما عليه من واجبات عامة وباختصار شديد فإن العقد الثالث من هذا القرن إطار زمني مناسب لإدارة تحول ديمقراطي يضع الدولة المصرية في مكانها المناسب من عصرها وزمانها.