تعالى نتفق أولًا أن الكلمة هبة ربانية يُعطيها لمن يشاء، أو يُوحي بها لمن يشاء، هؤلاء الذين يصطفيهم الله بهذه الهبة، يصبحون دراويشًا للحرف، يُقدرون عظمته فلا يُحرفونه عن موضعه، خشية غضب الواهب، فيسحب العطية والهدية، وينقطع المدد ويزول المداد.
وكعادة كل الأشياء هناك مجاذيب حقًا وآخرون زيفا، يدخلون حلقات الذكر إما لينتهجوا نهج المحبين، أو طمعا في مأدبة طعام تلي وصلة الذاكرين.
مجاذيب الفتة هؤلاء يبيعون المدد والمداد، ويشيعون الفاحشة بين الناس.
أكتب هذا التوصيف، وتلك المقدمة، لأُشير إلى دنس مجاذيب السطر غير الموهوبين، الذين ربما بالممارسة أو بالواسطة أو بالفتة منحتهم الأقدار قلمًا وسطرا ليكتبوا، لكن بدلًا من أن يُقدروا قيمة الفرصة، أساءوا للحرف والسطر، ونهشوا الأعراض، وروجوا للفساد وأشاعوا الفاحشة في الأرض.
فعلوا ذلك تحت مزاعم كثيرة ومبررات أكثر، ولو أني أملك زمام الأمور، لسحبت تلك الأقلام من يد هؤلاء الصبية، فالأقلام في يدهم لا تقل خطورة عن مجنون يحمل مسدسا محشوا بالرصاص.
فيا هذا ويا كل هذا، لا يعرف لماذا كانت الكلمة هي البداية؟ يا هذا العدو لنفسه ولنا وللمجتمع.. يا من تبث كراهيتك في حياتنا وعلى صفحاتنا وفي صحفنا، اقرأ ماذا قال لقمان الحكيم عن الكلمة: «إن من الكلام ما هو أشد من الحجر، وأنفذ من وخز الإبر، وأمر من الصبر، وأحر من الجمر».
يا زميلي التي شاءت الظروف جبرًا أن تتصف بهذه الصفة إن رسالتك أنبل من انتهاك الحياة الشخصية والادعاء الكاذب ليروق ما تكتبه للمخمورين، واعلم أن حضارة الإنسان وتاريخه ومستقبله.. رهن كلمة صدق.. أنت تهدم أُسر كاملة دون تحري الدقة.. أن تهدم مجتمعا كاملا.. أن تروج للخيانة والعقوق والشذوذ والخطيئة.. أنت كاذب وتصور المجتمع على أنه بلا فضيلة.. أنت لا ترى غير السيئ ولا تكتب الحق ولا تطبق ميثاق الصحفي.. أنت تنحاز لأفكار وميولك وما يملى عليك.
هل ترى تلك الطبيبة التي أساءت لها بقصة مختلقة عن ٤٠ فيديو إباحيًّا تقدم بها زوجها للنيابة ونُسجت القصص ثم عُدت لتنفي ما لن يمح بسطر.
هل ترى هؤلاء السيدات اللاتي اخترقت خصوصيتهن مدعيا الفضيلة لتجعلهن أضحوكة دون أن تُفكر ولو لحظة أن هؤلاء ورائهن عائلات وأبناء وبنات وجيران وأن القلم في الأصل عفيف.. سلاح للدفاع لا للاقتتال.. للتذكر والتوعية لا للذبح..
ثم هذا الطبيب والأستاذ والمهندس والعامل وغيره وغيرهم وغيرهن كُثر أنت تخوض في أعراضهن كل يوم ثم تعود لتنفي، وإن كان مدانًا وإن أقدم على جُرم وإن استحق العقاب.. هناك عائلات يا هذا.. هناك مجتمع وقيم وتقاليد.. وهناك تحقيقات لم تنتهِ في كل القضايا.. اُكتب.. لكن بمعلومة.. عن بينة.. لا تختلق وقائع.. لا تكن منحازا.. أنت قاضٍ للحرف.. وميزان عدل للكلمة فلا تتبع هوى نفسك ولا تسع لإرضاء مخموري العقل ليكتسبوا زبائن جدد في مواخيرهم وحاناتهم التي للأسف يطلقون عليها مواقعا إخبارية.. فهن وهم شوهوا المجتمع وكأنه لم يعد فينا ولا بيننا غير الشذوذ والسحاق والقتل والخيانة.. سحقا لمن لم يقدر قيمة الكلمة والمداد فيحولها لجذوة تحرق بدلا من شمس تسطع.
وأخيرا يا هذا احفظ هذه: «الكلمة مسئولية، والصحافة مهنة صناعة ضمير»..