شكرا مولانا . شغلنا بعظائم الأمور عن توافهها ، ودفعنا دفعا أن نعيد تخطيط خريطة أولوياتنا الفقهية . خرج الرجل ليرد الشر المطلق ويدفع البلاء المحيط ، ويدرأ الفتنة العرمرم ، فبحثّ وفحص وتأمل وتبحّر وفكر واجتهد وخرج علينا بالحكم البات والقول الفصل . الأغانى حرام والأفلام حرام والموسيقى مُنكرة وممقوتة ومرفوضة .
ما فض فوك يا رجل . سلم لسانك وعظم بيانك يا شيخ ياسر يا برهامى . لا ندرى ماذا كنا فاعلين دون علمك ، ولا نعلم كم خسر الاسلام دون فهمك . ما أروعك وأبدعك وأنت ترد على المتذبذب نادر بكار بقول فاصل لا يقبل تأويل عندما قال أن سماع الأغانى خلاف سائغ . لقد كنت واضحا دقيقا عندما دعوته للعودة إلى الحق ، فكبر المتسلفنون حولك فى مسجد التقوى بالإسكندرية .
غضبة فى محلها يا شيخ ! وشهادة فى موعدها يا مولانا ! أنهينا مشاكلنا جميعا وحققنا أحلامنا وصار ترف الفتوى يدفعنا أن نفتش عن حكم الاسلام فى الأغانى والموسيقى . وكأنها هى الخطر الجامح ، وكأن الاسلام نزل من سماوات عليا على خير خلق الله ليحرّم الأغانى ويبطل المعازف . وكأن مصر عبرت أزمة الأمن وتجاوزت معارك الارهاب وحققت هناء العيش لأبنائها فتفرغ الأخوان نادر بكار وياسر برهامى للتحاور والجدال حول حكم سماع الأغانى .
حرام يا رجل ؟ مسيرة أمر كلثوم ضلال ، وابداع عبد الوهاب وفريد الأطرش وليلى مراد فسق ؟ القول الفصل أن الفن حرام وليذهب الامام ابن حزم والشيخ محمد الغزالى والشعراوى إلى الجحيم .هكذا قرر مولانا العلامة مجدد الدين بالرجوع قبل القرن العشرين ماحيا اجتهادات وفتاوى علماء أجلاء مثل الباقورى ومحمد أبو زهرة وعبد الحليم محمود .
عدنا لنقطة الصفر ، أو تحت الصفر . عدنا لنتجادل ونتناقش عن حكم الاسلام فى الموسيقى والأغانى . عبرنا بأدمغتنا عقودا لنعيد السؤال الغلط : هل الفن حرام ؟ وكأنه لم يمر شىء على الامام محمد عبده الذى كان يقاتل عبدة النصوص ودعاة الاسلام الظاهرى من أجل اخراج الناس من الظلمات إلى النور ، ومن السير كقطيع إلى استخدام العقل والتدبر فى أمور الدنيا .
لم يقل لنا الشيخ برهامى ــ كرم الله وجهه ــ رأى الاسلام فى أولئك المترفين الرابحين من التجارة بكلام الله . لم يحدثنا سماحته عن حكم الدين فى الذين يتزوجون بالثلاث والأربع ويمنعون أموالهم عن الشباب الفقير الباحث عن أمل فى زوجة واحدة . لم يمنحنا الرجل مداد علمه ليدين التحريض على العنف من جانب إخوانه المتأسلمين .
ياالله.. كم أنت عظيمة يا مصر يا من أنجبت النقيضين: المبدعين والأجلاف ، العباقرة والبلهاء ، العظماء والتافهين !! كم أنت غريب يا بلد يخرج إلى العالم نجيب محفوظ "فلتة " الرواية العالمية ، وسيد قطب داعية القتل والارهاب !
لاشىء يتغير . منذ قرون تتكرر الأحداث ويتناسخ البشر . رحم الله الشاعر المتنبى الذى كتب يوما " وكم ذا بمصر من المضحكات ِ ، ولكنه ضحكٌ كالبكا " .