كان من الطبيعى أن تشتمل مواجهات الدولة المصرية للحروب الإرهابية التى تُشن ضدها على استراتيجيات متنوعة تراعى تنوع مسارح المواجهات ومعطياتها المختلفة، وتراعى التفاوت في درجة الخطر الذى تمثله كل جبهة، وتتأثر بطبيعة التحالفات الإقليمية لمصر، وما تتيحه من فرص أو تفرضه من قيود على التحرك المصرى، ولا تصطدم بأحد أهم أولويات السياسة الخارجية المصرية بعد ثورة 30 يونيو، والمتمثلة في إعادة بناء التحالف المصري- الخليجي. ناهيك عن أن تلك الاستراتيجيات كان ينبغى أن تستند إلى نسق فكرى استراتيجى يستوعب الديناميكيات المتعلقة بانتعاش وتمدد تلك الجماعات، أو تلك المتعلقة بانكماشها وأفولها.
في السياق ذاته، ومن خلال متابعة مجريات الحرب على الإرهاب؛ يمكن القول: إن "الإستراتيجية المصرية لمكافحة الإرهاب" في الداخل تندرج ضمن ما اصطلح على تسميته بـــ"إستراتيجية الإنهاء"؛ أى السعى لتقويض تنظيمات إرهابية بنزع سلاحها أساسًا بالقوة العسكرية والتدابير الأمنية، يتطلب هذا تواجدًا كثيفًا للقوات البرية، والعناصر الأمنية، مع تكثيف وتطوير الجهود الاستخباراتية وربما يستغرق الأمر سنوات لتحقيق النجاح المطلوب، يعتمد هذا على حجم ومدى تقدم الفاعل المستهدف، ومدى اختراقه للمجتمع المحلى، وحجم الموارد المخصصة لإستراتيجية الإنهاء تلك، وطبيعة البيئة المحلية.
ولتطبيق هذه الإستراتيجية على الأرض تبنت مصر منهجًا ذا بعدين، حددتهما الباحثة خلود صبرى السواح في رسالتها للدكتوراة بآداب الزقازيق: يتمثل البعد الأول في عمل أمني وعسكرى يتصاعد تبعًا لحجم وكثافة الخطر الإرهابي؛ حيث لا تخلو أى استجابة للمخاطر الإرهابية من عنصر القوة؛ متمثلة في الأداتين الأمنية والعسكرية. ونظريًّا من المفترض أن الأجهزة الأمنية هى التى تقوم بالدور الأكبر في مكافحة الإرهاب، بينما تقوم الجيوش بدور الإسناد والتعزيز، إذ عادة ما تكون الشرطة مدربة بشكل أفضل ولديها استخبارات قادرة على اختراق التنظيمات الإرهابية وإرباكها؛ إنها الذراع الرئيسة للحكومة من أجل تحقيق الأمن الداخلي. لكن في السياق المصرى، يلعب العنصر العسكرى ممثلًا في القوات المسلحة دورًا رئيسًا يكاد يوازى (وفى بعض السياقات يزيد على) دور الشرطة في مكافحة الإرهاب والجماعات الإرهابية.
ويرجع هذا المزج إلى طبيعة الجماعات الإرهابية العاملة في مصر، إذ تضم خارطة تلك الجماعات طيفًا من التنظيمات المتباينة من حيث الحجم والأهداف تهدف للسيطرة على الأرض في شبه جزيرة سيناء. لهذا تقوم القوات المسلحة المصرية، في السياق السيناوي؛ بدور رئيس في مواجهة التنظيمات الإرهابية؛ حيث تخوض هناك معركة شرسة ضد عناصر تنظيم "أنصار بيت المقدس" الذى بايع "خليفة داعش" أبوبكر البغدادى منذ نوفمبر عام 2014، والذى أنشأ ما يُسمى "ولاية سيناء"، وهو التنظيم الذى أدرجته الولايات المتحدة الأمريكية على قائمة التنظيمات الإرهابية منذ أيامٍ قليلة.
ومن أبرز عمليات القوات المسلحة التى جرت خلال السنوات الماضية عملية "حق الشهيد" التى بدأت في أعقاب العدوان على الشيخ زويد في الأول من يوليو 2015. وقد أسفرت تلك العملية بمراحلها الثلاث عن مقتل المئات من العناصر الإرهابية. وتم إلقاء القبض على 620 شخصًا مشتبه فيه، أُفرِجَ عن 226 منهم لثبوت براءتهم. أيضًا، تم تفكيك وتفجير المئات من العبوات الناسفة، وتدمير 187 وكرًا للإرهابيين ما بين مخازن وخنادق ومغارات وفتحات أنفاق. وتم ضبط عدة أطنان من المتفجرات، وألف مفجر كهربائى، وكميات كبيرة لم يتم تحديدها من الأسلحة والذخائر.
وإجمالًا، منذ طلب السيسي تفويضًا شعبيًا لمكافحة الإرهاب في يوليو 2013، فإن مئات من الإرهابيين قد قُتِلوا في عمليات مكافحة الإرهاب في سيناء.
ويتمثل البعد الثانى في إصدار تشريعات داخلية توفر غطاءً قانونيًّا لعمليات مكافحة الإرهاب؛ فلا شك أن هذا قانون التظاهر ساعد إلى حد كبير على الحد من "تظاهرات العنف" التى شهدتها البلاد عقب فض اعتصام رابعة في أغسطس 2013، والتى تحولت على خلفيته عديدٌ من التظاهرات، التى كان من المفترض أن تكون سلمية، إلى أعمال عنف وتخريب ضد الناس والممتلكات. فقد وفر قانون التظاهر غطاءً قانونيًّا لإخلاء وتحصين المنشآت الحكومية المهمة، خاصة المرتبطة بالشرطة، والتى باتت الهدف الرئيس للعنف الإرهابي.
وبسبب تزايد التحديات صدر قانون حماية المنشآت العامة في أكتوبر 2014، والذى خول للجيش مهمة حماية وتأمين المنشآت العامة إلى جوار الشرطة لمدة عامين انتهت في سبتمبر 2016. والملاحظ أن هذا القانون جاء متسقًا مع تولى القوات المسلحة المصرية الأدوار الرئيسة في مكافحة الإرهاب. ويعكس ضمنيًّا اعترافًا بعدم قدرة الشرطة وحدها على تولى هذه المسئولية في ذلك التوقيت الدقيق. كما أن تأطيره بإطار زمنى يعكس طبيعته الاستثنائية كونه ينص على جعل المنشآت العامة في حكم المنشآت العسكرية. وهو وضع استثنائى لا يمكن تبريره إلا في سياق وصول المخاطر آنذاك إلى مستوى خطير.
كما صدر قانون "الكيانات الإرهابية" رقم 8 لسنة 2015، في إطار ملاحقة الجماعات الإرهابية والتى تتخذ من بعض الكيانات المعروفة والمشهرة قانونًا ستارًا لعملها، وسد منافذ التمويلين الخارجى والداخلى لهذه الجماعات، خاصةً أنه خلال السنوات التالية على "الربيع العربي" استطاعت الجماعات الإرهابية العابرة للحدود تعزيز شبكة لنقل الأموال لأغراض تغذية الفروع المختلفة بالتمويل اللازم لتجنيد العناصر وإدارة العمليات، وأيضًا تأسيس فروع جديدة لهذه الجماعات.
وأخيرًا يأتى قانون مكافحة الإرهاب، وأبرز ما استحدثه أنه يساوى بين عقوبة التحريض على ارتكاب جريمة إرهابية وممارسة الجريمة ذاتها، من حيث الأثر المترتب عليها، فُيعاقب المُحرِض بموجب القانون الجديد بذات العقوبة المقررة للجريمة التامة، ولو لم يترتب على هذا التحريض أثرًا. وتنص المادة 28 من القانون على المعاقبة "بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنين كل من روج أو أعد للترويج، بطريق مباشر أو غير مباشر، لارتكاب أى جريمة إرهابية سواء بالقول أو الكتابة أو بأى وسيلة أخرى. ويعد من قبيل الترويج غير المباشر، الترويج للأفكار والمعتقدات الداعية لاستخدام العنف، وذلك بأى من الوسائل المنصوص عليها في الفقرة السابقة من هذه المادة.
وتكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن سبع سنين، إذا كان الترويج داخل دور العبادة، أو بين أفراد القوات المسلحة، أو قوات الشرطة، أو في الأماكن الخاصة بهذه القوات. وحسم القانون الجدل المُثَار حول خطاب الكراهية وخطاب التحريض على القتل والعنف.