الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

فقر الفكر والتأليف الدرامي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من أروع ما قرأت في حياتى كتاب الدكتور يوسف إدريس فقر الفكر وفكر الفقر، هذا العنوان العبقرى الذى يحمل الكثير من المعانى الفلسفية والذى يصور حالة المجتمع المصرى في أوائل ثمانينيات القرن الماضي حين نشر هذا الكتاب والذى نخلص منه إلى حقيقة مفادها أننا نعانى من ظاهرة فقر الفكر أى أننا لا نجهد أنفسنا بالتفكير وهذا ينسحب على نواح كثيرة في حياتنا منها التأليف الدرامى، حيث أصبحنا نعتمد على السرقات الأدبية وعلى اختراعات الغير وعلى النقل لأن عقولنا لا تنتج إلا أفكار فقيرة إذ أنها تربت في مجتمع يعانى الفقر، وقد تذكرت هذه النظرية الفلسفية وأنا أشاهد بعض المسلسلات هذا العام وتذكرت أيضا أننى عندما كنت طالبا بالدراسات العليا بقسم الدراما والنقد في المعهد العالى للفنون المسرحية قد درست على يد العلامة الدكتور فوزى فهمى الفن المقارن وأكمله معى الدكتور النابغة جلال حافظ وتعلمت من خلال هذه الدراسة قواعد التأثير والتأثر والتشابه وتوارد الخواطر ونبع الثقافات وتماس الأفكار والمصادر الواحدة وتعلمت كيف يكون بمقدور الناقد أن يحلل بنية النص الدرامى بطريقة منهجية ومن خلال ما يسمى بالسيموطيقا أو علم الدلالات للوصول إلى حقيقة مدى تأثر الكاتب بكاتب آخر أو بأكثر من كاتب وهناك فوارق شاسعة بين التأثر والسرقة ولعلى لا أذيع سرا حين أقول إننا كطلاب قمنا بإجراء هذه العملية التحليلية على كثير من النصوص المسرحية لكبار الكتاب فاكتشفنا أن الأمر يتخطى فكرة التأثر إلى حد السرقة، وما زلت أذكر كيف وضعنا مسرحية لكاتب مصرى شهير أمام مسرحية "هو الذى يصفع" للكاتب الروسى بوشكين وانتهى التحليل إلى أن الكاتب المصرى وللأسف الشديد قد سرق المسرحية ظنا منه أن أحدا لن يترجمها إلى العربية في يوم من الأيام وأنه قد قرأها في ترجمة إنجليزية لها، وهذا العام ومن خلال مشاهدتى لمعظم الأعمال الدرامية أستطيع أن أؤكد أننا نعانى كما قال يوسف إدريس من فقر الفكر وأننا نعمد إلى أفكار الغير لنعيد إنتاجها مرة أخرى ولكن بصورة مشوهة وضعيفة، بل وصل بنا حد السرقة إلى إعادة تقديم الأفلام المصرية القديمة مرة أخرى داخل أعمالنا الدرامية، ووصل فقر الفكر إلى إعادة تقديم المخرج لنفس المشاهد التى أخرجها من قبل في أعماله السابقة، وإذا أمعنت النظر رأيت كمًا من التشابه بين أحداث المسلسلات وبعضها البعض، فهذا يخطب أخت زوج محبوبته ليصبح قريبا من المرأة التى ترك الدنيا من أجلها وراح يطاردها وهى متزوجة دون أى مبرر منطقى لأفعاله وفى مسلسل آخر يتزوج البطل من أخت زوج محبوبته التى رفضته لفقره في الماضى ليصبح أمامها ليل نهار وكثيرة هى الأمثلة التى تؤكد التشابه والتأثر والسرقة، والحقيقة أن الاستسهال والاستعجال وتحويل المسلسل التليفزيونى إلى سلعة قد أدى إلى ما نحن فيه من فقر الفكر بالإضافة إلى غياب المؤلف المثقف صاحب الرؤية الاجتماعية، فمعظم الذين يكتبون الآن ليسوا كتابا في واقع الأمر، ولا أحد فيهم يدرك قيمة القلم وأن الله تعالى سيسأل الكاتب عن كل حرف سطره بيده، وأنه – أى الكاتب – هو دليل الأمة ومرشدها وهو بمثابة طبيب مخ يلعب بمشرطه في أدمغة البشر، فيغير أفكارهم، فكيف يستطيع فعل ذلك من لا يملك نسقا من التفكير ورؤية فلسفية للحياة، وهذا لن يكون إلا لمن قرأ آلاف الكتب واطلع على ثقافات أدبية متعددة، أما الآن فيكفيك مشاهدة أحد الأعمال السينمائية العالمية لنقلها وادعاء أنك صرت كاتبا، ويكفيك أن تلتحق بورشة فلان أو علان، حيث تحولت الكتابة إلى وظيفة ومن ثم فإنك تشاهد أعمالا باهتة لا فكر فيها ولا قيمة، فالسؤال الأول الذى يجب أن يجيب عليه الكاتب وهو لماذا أكتب وماذا أريد أن أقول في هذا العمل؟ هذا السؤال لم يعد مطروحا الآن ولا أحد يفكر فيه، ذلك أننا نفتقر للفكر تماما مثلما وضع الدكتور يوسف إدريس يده على الجرح المؤلم في ثمانينيات القرن الماضى، رغم أنه كتب هذا في ظل وجود عمالقة كبار فكيف كان حاله إذا عاش عصرنا الأدبى وقرأ لهؤلاء الذين يدعون أنهم كتابا.