في هذه السطور القليلة المخصصة لهذا المقال، ومع بداية فصل تشريعى جديد لمجلس النواب، أتناول بالمناقشة هنا مسألة اختصاص رئيس الجمهورية بإصدار قرارات بقوانين، وهى ما تسمى بلوائح الضرورة، وهى تلك اللوائح التى يصدرها رئيس الجمهورية في غيبة البرلمان وتكون لها قوة القانون، وينظم رئيس الجمهورية من خلالها أمورًا ينظمها القانون من حيث الأصل، وهذا اختصاص استثنائى لرئيس الجمهورية، تفرضه حالة ضرورة تحتم اتخاذ تدابير عاجلة.
وهذا ما نصت عليه المادة 156 من الدستور الحالي: "إذا حدث في غير دور انعقاد مجلس النواب ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، يدعو رئيس الجمهورية المجلس لانعقاد طارئ لعرض الأمر عليه. وإذا كان مجلس النواب غير قائم، يجوز لرئيس الجمهورية إصدار قرارات بقوانين، على أن يتم عرضها ومناقشتها والموافقة عليها خلال خمسة عشر يومًا من انعقاد المجلس الجديد، فإذا لم تعرض وتناقش أو إذا عرضت ولم يقرها المجلس، زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون، دون حاجة إلى إصدار قرار بذلك، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة، أو تسوية ما ترتب عليها من آثار".
وطبقًا لنص المادة فإن ثمة شرطين ينبغى توافرهما كى يحق لرئيس الجمهورية ممارسة هذا الاختصاص التشريعى، الشرط الأول: أن تكون هناك حالة ضرورة تستدعى اتخاذ تدابير سريعة لمواجهتها. الشرط الثاني: أن يكون مجلس النواب غير قائم.
وبذلك قصر دستور 2014 لوائح الضرورة على فرض وحيد، وهو حالة عدم وجود مجلس النواب، بأن يكون المجلس منحلًّا أو بعد نهاية الفصل التشريعى وقبل انتخاب المجلس الجديد، وهو ما يعنى أنه لا يجوز لرئيس الجمهورية إصدار هذه القرارات في فترة العطلة البرلمانية، وبهذا يمتاز الدستور الحالى على دستور 1971 الذى كان يُجيز لرئيس الجمهورية إصدار لوائح الضرورة أثناء تلك العطلة.
أما إذا كان مجلس النواب قائمًا ولكنه في غير دور الانعقاد، وكان هناك ما يوجب اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، فإن على رئيس الجمهورية أن يدعو مجلس النواب إلى اجتماع طارئ من أجل عرض الأمر عليه.
ويوجب الدستور عرض القرارات بقوانين على مجلس النواب الجديد بعد إعادة تشكليه، باعتباره صاحب الاختصاص الأصيل لسلطة التشريع، وعلى المجلس أن يناقشها ويبدى رأيه فيها في غضون خمسة عشر يومًا من تاريخ انعقاده، فإذا وافق المجلس عليها تأكدت قوة القانون لهذه القرارات.
أما إذا لم تُعرض هذه القرارات على المجلس، أو عُرضت ولم يوافق عليها، كأن يرى مثلًا أنه لم تكن هناك حالة ضرورة تستدعى الاستعجال في إصدارها، فإن هذه القرارات تصبح كأن لم تكن، ويزول ما كان لها من قوة القانون بأثر رجعى، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة ما بين صدورها وحتى صدور قراره بعدم الموافقة عليها.
ولوائح الضرورة على هذا النحو الذى حدده الدستور ليس فيها ـ بحال من الأحوال ـ ما ينتقص من اختصاص مجلس النواب بسلطة التشريع، وإنما فيها موازنة بين اختصاص السلطتين التشريعية والتنفيذية، فالسلطة التنفيذية هى المختصة بإقرار الأمن وحفظ النظام داخل الدولة، وقد تحدث مخاطر تستوجب تدخلًا سريعًا منها، ويكون مجلس النواب غير موجود، فمنحها الدستور رخصة إصدار قرارات لها قوة القانون تجابه بها هذا الخطر، ولكن من ناحية أخرى أعطى الدستور البرلمان سلطة سلب ما تتمتع به هذه القرارات من قوة القانون بعد انعقاده.
ومما يجدر قوله إن رئيس الجمهورية في ظل دستور 2014 أصبح مختصا فقط بإصدار لوائح الضرورة، وأصبح رئيس مجلس الوزراء هو المختص بإصدار اللوائح التنفيذية واللوائح التنظيمية ولوائح الضبط، وقد كانت هذه الأنواع الثلاثة من اللوائح من اختصاص رئيس الجمهورية في ظل دستور 1971 الملغى.