تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
تستمر مسيرة تنمية الكنائس في مصر في تقديم العمل الأهلي، فمن المساعي الخيرية القبطية 1881 إلى تأسيس جمعية الصعيد للتنمية 1940، ومن الاهتمام بالصحة لجمعية المساعي الخيرية وتأسيس المستشفي القبطي 1920، إلى اهتمام الآباء اليسوعيين في الكنيسة الكاثوليكية بالتعليم في الصعيد.
وتحتفل جمعية الصعيد للتربية والتنمية هذا العام بمرور 80 عاما على تأسيسها، حيث أسس الجمعية الاب هنري حبيب عيروط (1907 – 1969) وكان ابنا لمهندس مصري من أصل شامي ومن وسط الأغنياء في هذا الوقت، ونشأ عيروط بالقاهرة وتعلم بمدرسة العائلة المقدسة (الجيزويت)، وكان متوقعًا أن يمارس حياته العملية كوالده ولكنه خطط لغير ذلك.
وفي عام 1940، أسس مدارس التعليم المجاني بالصعيد المعروفة حاليًا بـ"جمعية الصعيد للتربية والتنمية" (AUEED) وبدأت الجمعية بجمع تبرعات واعتمدت على متطوعين لإصلاح مدارس الفصل الواحد وإنشاء مدارس جديدة بالقرى الفقيرة. أيضًا دعا عيروط المؤسسات الدينية في مصر لإدارة بعض المدارس والخدمات الريفية، حيث وصل عدد المدارس إلى 122 في عام 1950.
لكن رؤيته للتعليم والعمل الاجتماعي في الصعيد لم تأت من فراغ، ففي شبابه سافر كثيرًا للريف ولاحظ الفلاحين وتأثر جدًا بفقرهم وهمومهم، وكان دائمًا يشعر أن الله يدعوه لخدمة هؤلاء.. فقرر أن ينضم للرهبنة اليسوعية (الجيزويت) وكرس حياته لخدمة الفقراء، ثم سافر عيروط إلى فرنسا لدراسة اللاهوت والفلسفة وعلم الاجتماع وحصل على دكتوراة من جامعة ليون بفرنسا عام 1938.
كانت رسالته العلمية عن الفلاح المصري وتم نشرها بعد ذلك بعنوان "أعراف وعادات الفلاحين" وتم ترجمتها من الفرنسية إلى الإنجليزية والعربية. تلك الرسالة ناقشت تفصيليًا صراعات وكفاح الفلاح المصري الذي كان يعتبره الأب عيروط هو حجر الزاوية للمجتمع المصري.
لم يكن تركيز الأب عيروط الأساسي على الأرض الزراعية أو الاقتصاد الزراعي، لكن كان بالأساس الفلاح كإنسان لأن الإنسان يأتي أولًا.
وأرسى الأب عيروط مفهوم – لم يكن مألوفًا في ذلك الوقت- وهو أن إبادة الفقر مسئولية اجتماعية.. وقال: "حدث فصل بين الطبقة العليا والدنيا بالمجتمع، بين المدينة والريف، بيننا وبينهم.. إنه واجب علينا أن نحرر الفلاح.. هذا واجب على الطبقة العليا وعلى المستفيدين من الفلاح".
وعند عودته للقاهرة عام 1939، تولى الأب عيروط مسئولية أكثر من مدرسة ذات الفصل الواحد بقرى الصعيد، ودعا النخبة من المجتمع المصري لمساعدته لتغيير حياة الفقراء، وبدأ أولًا من خلال التعليم ثم توسع في نطاق خدمات أكثر وأنشطة للتنمية البشرية.
كما أصدر مجلة "هم ونحن" ومن خلالها شجع الشباب والميسرين لمساعدة الفقراء، كان مؤمنًا أنه واجب على الأغنياء والمتعلمين للمساعدة – ليس فقط بالمال، ولكن بتقديم جزء من حياتنا وأنفسنا للفقراء.
وقال الأب عيروط: " المشكلة تتمثل في تحمل وتحقيق المهمة التعليمية التي تتطلب المزيد من التفاهم، والعناية الشخصية والاهتمام والحب أكثر من لجان وخطب ومراسيم رسمية"، فقد طالب ونادى بالتعامل الشخصي مع هذا المجتمع لأنه بهذه الوسيلة فقط ممكن أن ترفع رجلًا.
ولم يكن الهدف الأكبر من الجمعية التعليم فقط، فتعليم الجيل الصغير كان النواة التي من خلالها ظهرت أنشطة كثيرة لخدمة هذا المجتمع الفقير – مسلم ومسيحي سواء. فتم إنشاء مستوصفات لتوفير الرعاية الصحية، وفصول غير رسمية للمتسربين من المدارس والأميين، ومحو أمية، وعمل تدريب مهني، وإنشاء مراكز اجتماعية، وبرامج تمكين الإناث، وعمل ورش عمل للتوعية البيئية، دمج المعاقين وأيضًا مراكز لإحياء التراث.
وكان الهدف الحقيقي للجمعية تنمية مجتمع كل قرية بالكامل وليس التعليم فقط. في البداية سعت الجمعية لمساعدة الفلاحين وإدراك قيمتهم الفريدة ورفع درجة احترامهم لذاتهم. ومن الأهداف الرئيسية أيضًا كان تحسين وضع المرأة في الصعيد واكتشاف المواهب المدفونة داخلهم، تشجيع الإبداع والابتكار ورفع مستوى الوعي والمساواة بين الجنسين.
ويخضع العاملون بالمدارس والمستوصفات والمراكز الاجتماعية إلى تدريبات مستمرة لتحسين مهاراتهم المهنية وتعريفهم كيفية التعامل بنهج إنساني في التنمية الاجتماعية.