رغم مرور كل هذه الأعوام على رحيل الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، وعدم معاصرة الجيل الحالي له، إلا انه يبدو وكأنه غادرنا بالأمس.
فصورته حاضرة في العقل المصري والعربي، ويبدو فيها رمزا عصيا على الرحيل والغياب، بشخصيته المتفردة، وكاريزمته الجذابة وحضوره الطاغي. فقد عاش عبدالناصر بمقاييس الزمن حياة قصيرة، إلا أن السنوات الـ 18 من حكمه مثلت فصلا استثنائيا في المشهد المصرى والتاريخ العربي كله.
رسالة ناصر باقية حتى الآن، فقد بنى دولة رغم المؤمرات، وأسس فكرا قوامه الإنسان المصري الذي يعي جيدا معنى العزة والكرامة والمواطنة.
في ذكرى رحيل جمال عبد الناصر تطالعنا روائح انحيازه للبسطاء من الطبقات الكادحة ومجانية التعليم وثورته على الإقطاع والرأسمالية التي مصت يومها دماء الفقراء وقراراته التاريخية التي من أهمها تأميم قناة السويس شركة ملاحة مصرية .
جمال عبدالناصر بالطبع ليس نبيا مرسلا، فقد أصاب وأخطأ وهكذا حال كل التجارب البشرية، فقد خسر العرب حرب 1967م مع إسرائيل بسبب تقديرات غير موفقة ولكن عبدالناصر أعلن تحمل كامل المسؤولية وأعلن تنحيه عن السلطة في وضع لا يحسد عليه أي قائد في ذلك الظرف العصيب، إلا أن خروج الجماهير في مسيرات يومي 9 و10 يونيو 1967م مطالبة ببقاء قائدها في مشهد يمثل أضخم استفتاء لا يتكرر في التاريخ أجبر الزعيم عبدالناصر على تلبية المطالب والانصياع لصوت الجماهير للاستمرار في قيادة مصر والأمة العربية.
وهنا فقد حقق العرب نصرا سياسيا مهما رغم الهزيمة العسكرية واستكمل ذلك من خلال مؤتمر الخرطوم الذي أعلنت لاءاته الثلاث «لا صلح لا تفاوض لا اعتراف» وبالتالي فقد فشل العدوان في إلحاق هزيمة سياسية معنوية بالعرب، ليبدأ بعدها عبدالناصر الإعداد للمعركة القادمة معركة النصر، فعمل على تحديث الجيش المصري وتغيير قياداته، وكان لحرب الاستنزاف التي استمرت ثلاث سنوات دور كبير في استنزاف قدرات العدو الذي حاول أكثر من 5 مرات التفاوض حول عقد اتفاقية تنهي حالة الحرب مع مصر مقابل الانسحاب الكامل من سيناء إلا أن عبدالناصر كان يرفض ذلك معلنا أن السلام لن يتحقق إلا بالانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة، وما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة فعمل على الإعداد للحرب الفاصلة التي تحقق فيها العبور في ملحمة عظيمة وتحقق النصر في أكتوبر 1973م بعد رحيل عبد الناصر بفضل الرئيس الشهيد محمد أنور السادات الذي أكمل المسيرة وذلك بفضل قيادته وجهده وتجهيزه وإعداده الكامل لتلك المعركة وشحذ مواقف الأمة العربية خلف القوات على جبهات القتال مما حقق موقفا عربيا جماعيا موحدا بموازاة الجهود العسكرية وهي من أهم عناصر النصر.
اليوم تجد بعض المغرر بهم ممن تلبست عقولهم بالتشويه يحاولون الإساءة لهذا الزعيم متناسين حجم تلك المنجزات المعنوية والمادية لكن من يسيء لهذا الزعيم عليه مراجعة نفسه والتأمل في حال الأمة العربية بعده!