سألت نفسي كثيرا ما هي الأنشطة التي يمكن أن أقوم بها مع حفيدي وتجعله يشعر بالسعادة والاستمتاع فينشغل عن غياب والديه بشيء مفيد دون ملل أو ضجر؟
فتشت في مكتبتي عن مصادر تربوية، فاكتشفت أني أسأل نفس السؤال الذي طرحه عالم النفس كارل يونغ، وأجاب عنه بسؤال آخر شيق: "ماذا فعلت كطفل وجعل الساعات تمر كالدقائق؟"
إذن جاءت إجابة يونغ - وهو مؤسس علم النفس التحليلي- مفاجأة سارة كاشفة سر السعادة وهي بمثابة النصيحة المفيدة، ليس لي فقط وإنما لكل الذين يجدون أنفسهم يقضون وقتًا أطول بكثير مع أطفال صغار، خاصة إذا كانوا أحفادهم.
مع إغلاق أغلب الحضانات والمدارس في الوقت الحالي بسبب مخاوف العدوى من كورونا، يكون الحل الأمثل للأم العاملة ترك الأبناء مع الأجداد. والحل الأمثل لتمضية الوقت بشكل مفيد وممتع هو في اختيار الأنشطة بناءً على ما ستجده أنت - قبل الأطفال- أكثر متعة وسعادة لك. ويمكن الاستمتاع بمساعدة الأحفاد على قضاء وقت رائع "فقط إذا كنت تستمتع بالقيام بذلك"!
إذا كنت تحب الطبخ وعليك إعداد الطعام للأسرة فيمكن إشراك الأحفاد في تحضيره.. جلب الخضر من مكان تخزينها وغسلها وتقشيرها وتقطيعها هي أنشطة بسيطة لكنها مليئة بالحيوية والاكتشافات للصغار خاصة إذا تم تتويجها بتذوق الطعام الشهي وهو لازال ساخنا فوق موقده، فيشعرون بالمتعة لأنهم شاركوا في طبخه. وبالمثل إعداد الحلويات التي يحبها الصغار مثل الكعكة الاسفنجية (كيكة) بدءا من خفق البيض وخلط المكونات ثم انتظار خروجها من الفرن.. كلها مراحل مبهجة للصغير مع رائحة جميلة تنبعث منها وتملأ المكان وتدخل طاقة إيجابية على أفراد الأسرة.
وهناك أيضا ألعاب متنوعة يمكن الاستمتاع بها، منها استنباط الأغاني التي تبدأ بحروف معينة ثم الاشتراك في غنائها ولا بأس كذلك إذا تراقصنا جميعا ونحن نغنيها. كما يمكن إعداد الدُمى بالقماش والأوراق الملونة ثم تفصيل الملابس المناسبة لها وإطلاق أسماء جميلة عليها وأنسنتها بحيث نصنع حياة لها تجعل الصغار يسبحون بخيالهم معها ومع قصصها.
أما ألعاب الصلصال فيستمتع بها الأطفال بشكل مضاعف لمرونتها في صنع الشخصيات المختلفة سواء كانت حيوانات أو بشر. ويمكن استنباط قصص خيالية وروايتها بينما يتابع الصغار تشكيلها وصنعها وهي طريقة مثالية لتعليم الطفل الرضيع أسماء الحيوانات والطيور وكذلك الألوان وتعزيز الذكاء والقدرة على التعلم لديه.
والأمر لا يقف عند هذا الحد، حيث أن اختيار الأنشطة البسيطة يختلف من شخص لآخر حسب مهاراته وما يجيد القيام به وما يحب الاستمتاع به.
وبعيدا عن الفائدة المتحققة للأطفال الصغار وهم يقومون بهذه الأنشطة التي غالبا لا يتوفر الوقت لآبائهم وأمهاتهم لمشاركتهم إياها، فإن المتعة المتحققة للأجداد تحسن صحتهم وتقلل التوتر لديهم.
ويمكن أن أذكر الكثير والكثير من الأنشطة التي تحقق متعة الكبار لكن الأفضل هو تشجيعك -أيتها الجدة وأيها الجد- على البحث عن المتعة التي تناسبك وقد لا تناسب غيرك. وأنت فقط من يستطيع أن يعرف بالتأكيد ما الذي يهمك ويدخل السعادة على قلبك ولابد أن تثق في كونها ستدخل فعليا نفس المتعة أو متعة مضاعفة على الأحفاد.
ولعل ما يساعد على القيام بهذه الأنشطة والانشغال فيها مع متعة غير محدودة هو مجاراة الأطفال للأجداد وانسجامهم عادة بلا عناد أو رفض. وهذا نادرا ما يتحقق مع الأمهات والآباء حيث تسبق كلمة "لا" على لسان الطفل أي طلب أو كلام يوجهه الوالدان له.
وقد تحدثت دراسات عديدة عن هرمون هرمون الحب الذي يغزو دماء الأجداد عندما يلعبون مع الأحفاد وهي ظاهرة عجيبة تبعث على التفاؤل و"تطيل العمر"!.
أظهرت الدراسات أن نسبة إفراز هرمون الأوكسيتوسين تزداد في الدم لدى الأشخاص الذين يقومون برعاية الأحفاد. والأوكسيتوسين هو الهرمون المسؤول عن تقليل التوتر وتحسين الحالة المزاجية ويُعرَف كذلك بهرمون الحب. ووفقًا لمعاهد الصحة الوطنية الأمريكية، فإن هرمون الأوكسيتوسين "عندما يقلل من مستويات التوتر يضبط ضغط الدم لو كان مرتفعا". وبالإضافة إلى هرمون الحب، فإن اللعب مع الأحفاد ومساعدتهم تؤدي كذلك إلى زيادة إفراز هرمون السعادة أو الإندورفين. وهو يساهم بدوره في تقوية جهاز المناعة فيحمي الأشخاص من الأمراض، خاصة المسنين.
الجانب الإيجابي هو أنك تنسى تقريبا كل ما حولك وما كان يؤرقك في الحياة اليومية من مشكلات أو تقصير أو مرض. إن صحبة الأحفاد تجعل الأجداد "يتحولون" في أمزجتهم وحياتهم بالكامل حيث تبدأ حياة جديدة يختارون ما يجب إهماله فيها من تفاصيل أو صغائر أو قلق لصالح ما هو أكثر أهمية وهو الاهتمام بالأحفاد وأن يكونوا مبعثا للاطمئنان لهم وبهم.
olfa@aucegypt.ed