الخبر باختصار هو أن شابا مصريا ادعى إصابته بالسرطان وراح ينشر صورا له وتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي وحصد تضامنا واسعا ودعوات بالشفاء حتى بات ظاهرة كواحد من اشهر محاربي السرطان.. ثم استيقظنا ذات صباح على بيان للنيابة العامة يفيد بالقاء القبض على هذا الشاب المدعي وحبسه أيام على ذمة قضية.
لن اكتب اسم الشاب ولا اسم المحافظة التي ينتمي إليها لأنهما ليسا موضوعي في هذا المقال وتعالوا نبحث معا عن الأسباب التي دفعت الشاب لهذا التصرف الغريب المؤذي.
قد يقول البعض وما الأذى الذي أصاب المجتمع من هكذا فعل للشاب .. أقول الأذى كبير وجسيم لأن جميعنا يعرف حالات حقيقية تحارب السرطان نقف إلى جوارهم بالدعاء والدعم والتعاطف والرجاء .. هؤلاء المحاربون الحقيقيون تم الاعتداء على آلامهم في مشهد ساخر يحط من قيمة وبسالة مقاومتهم للموت .. هذا من ناحية من ناحية أخرى نرى في تصرف الشاب كذب فاضح على مجتمع يعيش بعواطفه أكثر من عقله وهذه جريمة أخرى لا يوجد بند عقابي عليها في القانون ولكنها مدانة أخلاقيا.
الشاب الذي انتشرت صورته وهو حليق الرأس واهن الكلمات في تعليقاته لم يكتف بهذا الهزل ولكنه استخدم والدته في أكثر من صورة معه وهو شاحب الوجه مرهق الجسد.. وهو ما يدعونا للسؤال إلى أي فصيلة ينتمي ذلك المدعي بهذا السلوك المشين.
كان من الممكن للقصة أن تمر مرور الكرام فيحصد الشاب اللايكات والدعوات ويمتطي ما يسمونه ب التريند في وسائل التواصل .. ولكن هو له عين وللناس أعين. تنكشف لعبته الضعيفة من عفاريت الفوتوشوب عندما لاحظوا أن الصور المنشورة للشاب يتساقط فيها شعر رأسه بينما شعر حواجبه كما هو .. وهنا بدأ التلاسن.
الحقيقة هي أن النيابة العامة احسنت صنعا باتخاذها الإجراءات اللازمة حتى يتوقف كل مغامر عن سوء استخدام وسائل التواصل .. وإذا كانت هذه القصة جاءت هذه المرة في ادعاء مرض فإنها سوف تأتي في المرات القادمة في عشرات بل مئات الأكاذيب التي تلعب بالمجتمع لعبا .. وقد قرأنا منذ فترة عن سيدة سورية ادعت اختطافها مما جعل الناس تذهب مسرعة للتضامن وبعدها انكشف زيف القصة .. هذا التلاعب على وسائل التواصل يبدو كمن اكتشف السكين لأول مرة فاختار أن يجربها في تقطيع جسده.
ثمة ملاحظة أخرى في قصة الشاب مدعي الإصابة بالسرطان.. وهي فوضى التبرعات.. ويعرف الجميع عني مدى احترامي للعمل التضامني سواء من خلال التبرعات أو الجهد البدني .. ولكن أن تتحرك الأموال ذهاب وعوده دون تنظيم مرة تحت عنوان تبرعوا لبناء مسجد وأخرى تبرعوا لنستكمل مستشفى السرطان فهذه بوابة لتشجيع النصب والاحتيال والتلاعب.. ولا يمكن لمجتمع أن يقوم وعماده المالي هو طريق التبرعات .. طبعا لدينا قوانين تنظم هذه المسألة ولكننا نعرف أيضا أن القوانين وضعت لكي تخترق ..
وعلى ذلك أجد أننا بحاجة إلى ابداع جديد وملهم ينظم تلك النقطة سواء كان التبرع يتجه إلى جمعيات أو مؤسسات أو حتى أفراد.. ولعلنا حتى الآن لم نفق من الأموال التي تم ضخها لجماعات التطرف والإرهاب وصرنا نموت برصاصات مشتراة بأموال أصحاب النوايا الحسنة.