الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

وقف مصرى دفاعًا عن الهوية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لمن سيترك نهر الثقافة والفن؟! لسنا كغيرنا من الشعوب المحيطة قد ننتج نوعًا واحدًا من الفنون والآداب، نحن شعب لديه احتياج دائم لإنتاج واستهلاك مختلف أنماط الثقافة وأشكال الفنون للحفاظ على هويته وتجديدها، كون الثقافة والفن أحد أهم روافد صياغة وتحديث هذه الهوية.
لذلك لن يبقى النهر فارغًا، والتخلى عن المسئولية سيفتح مجراه أمام طوفان الـ«بيكا» والـ«شطة» وسينما الكباريهات ودراما بير السلم.
سطرت هذه الكلمات في مقالى الأسبوع الماضى، عندما ناشدت المخرجة السنيمائية الدينامو ساندرا نشأت للعودة المكثفة هى وزملاؤها المعدودون من حيث الإبداع والموهبة؛ وأعيد نشر هذه الفقرة، للتأكيد على أننا نعانى أزمة حادة في الإنتاج الثقافى والفنى تكاد تكون مزمنة.
مظاهر هذه الأزمة تتمثل في غياب ملحوظ للكتاب ثمين المحتوى منخفض الثمن والسينما التى تخلق معانى الجمال والحق والخير في وجدان جمهورها، والأغنية التى ترتقى بالمشاعر الإنسانية وطنية كانت أو عاطفية، وفى غياب تام لمسرح جاد وحركة مسرحية شابة لها حضورها وتأثيرها في المجتمع.
نحن نفتقد حتى إلى عمل درامى كوميدى يقوم بوظيفة التسلية والترفيه دونما ابتذال، أو استهزاء بعقل المشاهد.
الهوية المصرية وسمات المجتمع المصرى المتضرر الأول، فبما أننا شعب منتج لمختلف أنماط الثقافة وأشكال الفنون منذ كانت الدولة المصرية القديمة، فلا بد أن عملية الإنتاج الثقافى والفنى ستستمر لكن على هذا النحو المتدنى الذى نعايشه ونعانيه، وبما أن الثقافة والفن أحد أهم، إن لم تكن المصدر الرئيس، لتشكيل الهوية وتجديدها، ستتعرض هذه الأخيرة لعملية تشويه تجعل الشخصية المصرية مجرد مسخ.
صحيح أن المعدن النفيس للشخصية المصرية قد ظهر جليًا مع ثورة الثلاثين من يونيو عندما تأكد للمصريين أن منهج جماعة الإخوان وما يسمى بتيار الإسلام السياسى يشكل خطرًا حقيقيًا على هويتهم ونمط حياتهم، وتهديدًا مباشرًا لقدرتهم على إنتاج أنماط ثقافية جديدة؛ غير أن هذا المعدن قد يصبح قابلًا للانصهار والتلاشى مع ضغوط ما تسمى بحروب الجيل الرابع والخامس، إضافة إلى استمرار عملية إنتاج أنماط ثقافية وفنية متدنية.
من الخطأ الاعتماد على المعلومات الجافة والبيانات الرسمية كسلاح وحيد في مواجهة حروب الجيل الرابع والخامس التى تعتمد على بث الشائعات والأكاذيب والروح الانهزامية واليأس بهدف تزييف الوعى؛ ذلك أن عملية بناء وتشكيل الوعى تستلزم وجود أساسات وقواعد تحمل هذا البنيان، ألا وهو الوعى؛ والثقافة والفن يمثلان هذه القواعد؛ ذلك أنهما من يقومان بعملية صياغة الوجدان والعقل.
ببساطة أكثر لا ينتظر من جمهور حمو بيكا وعبده موتة والدراما التافهة استيعاب ما يبث له من معلومات، وحتى أعمال تسجيلية تأخذ شكل الدراما ترد على أكاذيب وشائعات مروجى الفتن، أو التفاعل إيجابيًا مع أى محاولة جادة لتجديد الخطاب الدينى وتصحيح فقه الإرهاب.
في هذه السطور أقترح تأسيس وقف مصرى يدعم عملية الإنتاج الثقافى والفنى؛ وقف يدير كل أصولنا الثقافية المادية والمعنوية على أن تكون وزارة الثقافة ممثلة في المجلس الأعلى للثقافة المسئول عن إدارة هذا الوقف، الذى يضم أولًا كل هيئات وأجهزة الوزارة من البيت الفنى للمسرح والهيئة العامة لقصور الثقافة وصندوق التنمية الثقافية وهيئة الكتاب، إضافة إلى ما تملكه مؤسسات المجتمع المدنى المعنية بالإنتاج الثقافى والفنى من إمكانات، كالمركز الكاثوليكى للسينما والهيئة الإنجيلية القبطية، وغيرها من الجمعيات الثقافية والفنية على أن يتعاون الجميع في دعم عملية الإنتاج الثقافى والفنى من كتاب وسينما ومسرح وموسيقى ودعم للفرق الشبابية المستقلة، ويكون ذلك بالتعاون مع الجمعيات والمؤسسات الناشطة في العمل التنموى، مثل مؤسسة مصر الخير وجمعية الأورمان، بحيث تقدم هذه المؤسسات للقرى والمناطق الفقيرة منتجا ثقافيا وفنيا في نفس الوقت الذى تقدم فيه مساعدات أو تدعم فيه مشروعات متناهية الصغر وصغيرة وتمد يد العون لأهالى تلك المناطق والقرى، ليكونوا شركاء في عملية الإنتاج الثقافى والفنى، فليس من قرية أو نجع يخلوان من مواهب قادرة على تقديم الإبداع.
وإلى جانب ما ستقدمه الدولة من دعم مادى، سواء بالمال أو بما تملكه من مسارح ودور للعرض وقاعات، تدخل البنوك وشركات رجال الأعمال الكبرى لتقدم الدعم المادى اللازم من بند المسئولية الاجتماعية، ويفتح باب التبرع لهذا الوقف حتى يشعر المصريون بأنهم شركاء في أكبر مشروع للحفاظ على هويتهم والتأكيد على معدنها الأصيل وتحديثها بما يتناسب مع جذورها الضاربة في عمق التاريخ.