أثبتت أحداث السادس من يناير ٢٠٢١ أن المؤسسات الأمريكية أقوى من الأفراد، وأن الديموقراطية اقوي من الديكتاتورية، وأن النظام والقانون أقوى من الغوغائية والهمجية والإرهاب.
أهم ما يميز الحياة السياسية الأمريكية أنها دولة مؤسسات، وأن الدستور يوازن بين القوة الممنوحة للسلطة التنفيذية وعلى رأسها الرئيس، والقوة الممنوحة للكونجرس بمجلسيه النواب والشيوخ. القواعد الدستورية الأمريكية راسخة ولم يتم تعطيل العمل بها منذ أكثر من قرنين من الزمان. وكان من المقرر دعوة الكونجرس يوم الأربعاء الموافق ٦ يناير للتصديق علي نتائج الانتخابات التي جرت في الثالث من نوفمبر ٢٠٢٠، والتي خسرها الرئيس دونالد ترامب. ولكن ترامب لم يعترف بالخسارة في الانتخابات وأدعي انه قد تم تزويرها، وقام برفع عدة قضايا عن طريق محاميه رودي جولياني، وخسرها جميعا، ولكنه لم يتقبل حكم القانون سواء في الولايات أو على المستويات الأعلى، واستمر في حشد أنصاره لوقف سرقة الانتخابات التي ادعى أنه الفائز بها. وبعد دعوة الكونجرس إلى الاجتماع لم يجد هو ومحاميه سوى تحفيز الجماهير المتحمسة للهجوم على مبنى البرلمان وتعطيل اعتماد نتيجة الانتخابات في سابقة لم تحدث في التاريخ الأمريكي من قبل.
وبعد وقوع الأحداث الدامية، ومهاجمة مبنى الكابيتول وتحطيم النوافذ، والوصول إلى الغرف الخاصة للأعضاء ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، ووقوع ضحايا نتيجة تصدي رجال الأمن للمعتدين، ظهرت مواقف رجال الدولة من مواقف رجال العصابات. ظهر المعدن الأصلي لنائب الرئيس مايكل بنس، كرجل دولة من الطراز الأول. لقد رفض طلب رئيسه بتعطيل التصويت وذهب لأداء دوره الذي نص عليه الدستور كرئيس لمجلس الشيوخ وأمر بنشر الحرس الوطني في واشنطن العاصمة . وعندما هدأت الأمور، عاد ومارس مهام عمله واستمر حتى أنجز مهمته وتم اعتماد فوز الحزب الديمقراطي المنافس له، وخروجه هو وحزبه من البيت الأبيض.
وكانت الكلمة التي ألقاها الرئيس المنتخب بايدن عند اندلاع الأحداث في منتهى الحكمة والتعقل، وكانت دعوته إلى الرئيس دونالد ترامب بالخروج علي التلفزيون ودعوة أنصاره إلى مغادرة البرلمان وإنهاء العنف، وهي الدعوة التي استجاب لها ترامب، مع استمراره في الادعاء بأنه الفائز في الانتخابات. وعند عودة البرلمان إلى ممارسة عمله، قام زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري (ميتش ماكونيل) بإدانة ما حدث ووصف المهاجمين بالهمج والغوغاء. وذكر أن الكونجرس قد واصل أداء عمله في أحلك الظروف التي مرت بها البلاد لأكثر من قرنين من الزمان. واتهم زعيم الأقلية عن الحزب الديمقراطي (شاك شومر) الرئيس ترامب بأنه هو المسؤل عما حدث، واستمر عمل البرلمان إلى أن انتهت كل الولايات مع اعتماد نتائج الانتخابات في جلسة استغرقت معظم ساعات الليل وانتهت في الساعات الأولى من صباح الخميس السابع من يناير.
وعلى المستوى الدولي، ظهر الرئيس الفرنسي ماكرون كرجل دولة، وكمدافع عن الديموقراطية الغربية بصفة عامة والأمريكية بصفه خاصة، وأدان ما حدث ودعا الجميع إلى احترام الدستور والقانون، وكذلك فعل رئيس الوزارء الكندي والمستشارة الألمانية ميركل. أما أقرب المقربين إلى الرئيس ترامب وهما بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني وبنيامين نيتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، فقد عبرا عن أسفهما لما حدث، بعد أن استقرت الأحداث وعادت الأمور إلى طبيعتها، وتم اعتماد فوز بيدن.
أما الرئيس ترامب فقد تراجع عن موقفه السابق ودعوته إلى مؤيديه بإظهار القوة، ووصف استخدام العنف ومهاجمة مبني الكابيتول بأنه عمل عدائي غير مقبول، في خطوة وصفها الجميع بأنها جاءت متأخرة وعديمة الجدوى. (Too late, to little).
أعتقد أن الرئيس ترامب قد كتب نهايته السياسية، وأنه سوف يرحل غير مأسوف عليه من مؤيديه ومعارضيه على السواء.
لقد أثبتت أحداث الأربعاء 6 يناير في العاصمة الأمريكية أن النظام الأمريكي أقوى من الأشخاص، وأن الدستور والقانون أقوى من الهمجية والغوغاء، وأن الديمقراطية ودولة المؤسسات هي التي تنتصر في النهاية.