على الرغم من تعرض البلاد لموجات متتالية من الأحداث الإرهابية خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، إلا أن الأحداث الإرهابية الأخيرة التى تضرب البلاد والمنطقة تعتبر هى الأكبر على الإطلاق حيث اتخذ الإرهاب أشكالًا وخصائص مختلفة بداية من التكوين التنظيمى للجماعة الإرهابية والأدوات المستخدمة في العمليات الإرهابية وطبيعة الأشكال المستهدفة بخلاف الترابط التنظيمي مع ميليشيات مسلحة إقليمية، حيث اتسمت العمليات الإرهابية منذ النصف الثانى من عام 2013 بطابع خاص جعلها مختلفة في الأهداف والفكر والتكوين، وذلك كما جاء في رسالة دكتوراه الباحثة خلود محمد صبرى السواح المدرس المساعد بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة الزقازيق التي ناقشتها مؤخرًا.
وقد جاءت ثورة 30 يونيو 2013 مع معطيات محلية وإقليمية شديدة الوطأة على مصر والعالم العربى، حيث كانت المنطقة آنذاك تعانى موجة المد الرابعة للنشاط الإرهابى، منذ نشأة تنظيم القاعدة في العام 1988. ورغم القيود التي كانت مفروضة آنذاك على تحركها في الإقليم، اضطرت مصر للاستجابة للتحديات الأمنية، حيث كانت الديناميكيات الإقليمية والمحلية مستمرة في استنزاف المنطقة، وفى ممارسة ضغوط كثيفة على الهياكل السياسية والاجتماعية الاقتصادية لعديدٍ من دول الإقليم.
ظلت القاهرة كطرف يكافح الإرهاب، ويتشبث بوحدة وتماسك الدول العربية، والحدود الثابتة والمستقرة في مواجهة الأخطار المباشرة القادمة من دول الجوار المباشر، مثل ليبيا وغزة (حيث التداخل الشديد مع الإرهاب في سيناء، وفى الداخل المصرى)، وأيضًا في مواجهة الأخطار غير المباشرة، المتمثلة في تمدد "داعش"- آنذاك - في العراق وسوريا، بالتزامن مع تعاظم نفوذ "القاعدة" (جبهة النُصرة) في سوريا، وتفاقم المخاطر على كل من لبنان والأردن، وحيث كانت "القاعدة" تعزز من نفوذها ومواقعها في اليمن إزاء كل ذلك بدت المقاربة المصرية أكثر تنوعًا، وأقل تأثرًا بالسياسة الداخلية.
لقد أظهرت السياسية الإقليمية بعد ثورة يونيو مصر في صورة الطرف الذي يهتم بالاستقرار الإقليمى أكثر من الولاءات الطائفية، وينأى بنفسه بعيدًا عن التوظيف السياسى المكثف لثنائية "السنة- الشيعة" التى جرى – ويجرى - توظيفها في صراعات الشرق الأوسط، وكطرف يقدم خطر "داعش" - التى كانت تتمدد آنذاك- على الانخراط في سياسات التنافس الإقليمي، ينحاز للحلول والتسويات السياسية، ويرفض الاستمرار أو الانخراط في المواجهات العسكرية، يسعى لهندسة الوضع المشتت الذى يشكل بيئة حاضنة ومواتية لتمدد وانتعاش تنظيمات السلفية الجهادية، مثلما يعتقد بعبثية خيار "الحسم العسكرى" لتسوية الصراعات في ظل نظام إقليمى محطم، يهتم ببناء منظومة للأمن الإقليمى (مصر هى أول من دعا لإنشاء قوة عربية مشتركة في العام 2015) كون الشرق الأوسط هو من بين الأقاليم القليلة التي من دون أى مظهر للأمن الإقليمى لمجابهة خطر الإرهاب ولاحتواء الصراعات وإدارة الشئون الإقليمية الداخلية.
ومن المهم الالتفات إلى أن المنطقة ظلت منذ أواخر العام 2012 تقريبًا (أي قبل شهور من ثورة 30 يونيو) تكابد تداعيات موجة المد الرابعة للنشاط الإرهابى، منذ نشأة تنظيم "القاعدة" في العام 1988. فقد بدأت الموجة الأولى للنشاط الإرهابى في تسعينيات القرن الماضى، وتُوجت بأحداث 11 سبتمبر 2001.
تلتها موجة جذر من خلال القضاء على البنية التحتية للقاعدة في أفغانستان، واعتقال ومطاردة قادتها. ومع الغزو الأمريكى للعراق عام 2003 بدأت موجة المد الثانية، وتبعتها موجة جذر في العام 2006، بعد أن ضعفت القاعدة في العراق بشكل حاد. ثم جاءت موجة المد الثالثة لتمتد خلال الفترة (2007- 2009)، بعد صعود القاعدة في المغرب العربى، والجزيرة العربية، تلتها موجة جذر جديدة توجت بمقتل أسامة بن لادن في العام 2011 وبالتزامن تقريبًا مع ثورة 30 يونيو 2013 جاءت موجة المد الرابعة، التى جعلت من خطر الإرهاب في المنطقة ليس خطرًا رئيسًا فحسب، بل هو الخطر الرئيسى على الأمن القومى لعدد من دول الإقليم، ذلك أن 99% من الهجمات التي نفذتها تنظيمات السلفية الجهادية بمسمياتها المختلفة، استهدفت "العدو القريب".
وخلال العام 2013 فقط (أى عام الثورة) شهدت المنطقة العربية وحدها 3800 حادث إرهابي، من إجمالي 9800 حادثة على مستوى العالم، أى بنسبة 40% تقريبًا. وفي العام التالي مباشرة – أى عام 2014- ارتفع عدد الاعتداءات الإرهابية بنسبة 35%، فيما ارتفعت الخسائر في الأرواح بنسبة 81% مقارنة بعام 2013، أى أن العمليات الإرهابية أصبحت أكثر فتكًا وتدميرًا. في الوقت ذاته، كانت هناك زيادة في عدد عناصر السلفية الجهادية (وليس التنظيمات) قُدرت بالضعف تقريبًا خلال الفترة (2011- 2014). وفى السياق ذاته، قُدرت الزيادة في عدد جماعات السلفية الجهادية خلال الفترة (2011- 2014) بنحو 58%. مثلت ليبيا آنذاك -المجاورة لمصر- الملاذ الأنشط لتلك الجماعات في الشمال الأفريقي، بينما مثلت سوريا الملجأ الأكبر لها فى المشرق العربى.
والأكثر من كل ذلك، ظلت منطقة الشرق الأوسط المسرح الرئيس للهجمات الإرهابية الانتحارية، حيث وقع خلال عام 2014 نحو 370 هجمة انتحارية (تمثل 60% من العمليات التى شهدها العالم في ذلك العام)، بخسائر في الأرواح بلغت 2750 فردًا (مقارنة بـ 163 هجمة في العام 2013، تسببت في مقتل نحو 1950 فردا). وفى العام 2015 وقع 207 هجوم انتحاري في الإقليم، من بين 452 هجومًا على مستوى العالم. ونتيجة لكل ذلك، ظلت قائمة الدول العشر الأكثر تأثرًا بالإرهاب تضم 4 دول عربية على الأقل.
ورغم تراجع عدد الهجمات الانتحارية التى نُفِذَت خلال عام 2015 بنسبة 44% مقارنة بعام 2014، إلا أنها تصاعدت في مصر، حيث وقع 12 هجومًا انتحاريًّا خلال عام 2015، مقابل 4 هجمات فقط خلال عام 2014. ونتيجة لذلك أيضًا عاشت مصر أجواء حرب يمكن تصنيفها بوصفها صراعًا ذا كثافة منخفضة. وجابهت الدولة المصرية أخطارًا متعددة: خطرًا -ظل يتزايد- من الحدود الليبية، وعنفًا إخوانيًّا في قلب المدن المصرية، وسعيًا حثيثًا من قِبَل "داعش" لتوسيع نطاقها، وتعزيز قدراتها في شبه جزيرة سيناء.