معرفتى بالراحل الكبير وحيد حامد تمتد لسنوات طويلة،بدأت منذ كنت صغيرًا أهوى الاستماع لبرامج ومسلسلات الإذاعة، لاسيما المسلسل الدرامى الذى تذيعه محطة البرنامج العام في الخامسة والربع مساء كل يوم، وبشغف المحب للدراما انطبع اسم "وحيد حامد"في أذنى خاصة بعدما تابعت مسلسله"بلد المحبوب"والذى قام ببطولته الفنان القدير توفيق الدقن والذى تحول فيما بعد إلى مسلسل تليفزيونى حقق نجاحًا منقطع النظير وقام ببطولته النجم عادل إمام وحمل اسم"أحلام الفتى الطائر"وظل اسم وحيد حامد عالقًا بذهنى وأنا أستمع للمسلسلات الإذاعية التى كتبها مثل "كل هذا الحب""قانون ساكسونيا""الدنيا على جناح يمامة"وغيرها من الأعمال المميزة وحين أتيت من بلدتى دسوق إلى القاهرة والتحقت بالمعهد العالى للفنون المسرحية في منتصف الثمانينيات أجبرتنى المواد الدراسية العملية أن أشاهد عرضًا مسرحيًا كان يعرض في مسرح السلام بالقصر العينى من إخراج الدكتورة سميرة محسن وكان عنوانه "سبعة تحت شجرة" وفوجئت بأن مؤلف المسرحية هو وحيد حامد، وبدأت بحكم الدراسة أتوقف أمام هذه المسرحية بالتحليل والوصف فإذ بى أمام حوار فلسفى عميق وأمام قراءة تحتية لنص درامى،والقراءة التحتية تعنى أن النص يحتوى على معان غير ظاهرية أو ما يقال عليه على ألسنة العوام قراءة ما بين السطور، هنا إزداد تقديرى لوحيد حامد،فالكاتب الجيد هو من تنطوى أعماله على أفكار فلسفية تحمل دلالات بداخل العمل الدرامى، ودفعنى حوار وحيد حامد في أفلامه السينمائية إلى كثير من القراءات والتأمل وفهم الحياة ومراجعة النفس، ولا شك أن هذه الأفلام هى التى شكلت نجومية وحيد حامد،كالراقصة والسياسى واللعب مع الكبار والإرهاب والكباب والغول وكشف المستور وغريب في بيتى والمنسى ومعالى الوزير والبرىء وغيرها من أفلام جعلت وحيد حامد متربعًا على عرش كتابة السيناريو في السينما المصرية لأكثر من عشرين عامًا،وجعلته يخرج بكاتب السيناريو من الظل إلى النور،إذ كان كاتب السيناريو من قبله يعيش ويموت في الظل وتتم كتابة إسمه على استحياء وبخط يكاد يقرأ بصعوبة على دعايا الفيلم، ولكن الأعمال الناجحة والمتميزة لوحيد حامد جعلت اسمه يتصدر"أفيشات"السينما ليصبح أحد وسائل الجذب الجماهيرى تمامًا مثل نجوم التمثيل،وأكبر دليل على النجاح الذى حققته هذه الأفلام أن جملًا حوارية صاغها وحيد حامد فجرت على ألسنة الناس مجرى الأمثال والحكم وعلقت بذاكرة ملايين البشر في مصر والوطن العربى، فمن منا لا يذكر ما جاء على لسان فتحى نوفل المحامى الفاسد وهو يردد "البلد دى اللى يشوفها من فوق غير اللى يشوفها من تحت" ومن منا لا يذكر الحوار الذى دار في فيلم الإرهاب والكباب بين مواطن من ركاب الأتوبيس وبين عادل إمام الذى سأله: مافيش حاجة هاترخص،فرد المواطن: حاجات كتير هاترخص وتبقى بسعر التراب،أنا وانت والأستاذ وحضراتكم أجميعين،وفى كشف المستور ذلك الفيلم الرائع والجرىء تقول سلوى شاهين بطلة الفيلم "أنا خدمت البلد خدمات كتير جدًا كان مفروض آخد عليها نياشين..بس المعارك والبطولات بتاعتنا كانت ع السراير"وفى الراقصة والسياسى جاء على لسان سونيا في حوارها مع الوزير"إيه حكاية رقاصة رقاصة.. ما احنا الاتنين بنرقص زى بعض يا عبدالمجيد بس كل واحد فينا بيرقص بطريقته، أنا بهز وسطى وانت بتلعب لسانك"وفى عمارة يعقوبيان ردد عادل إمام"إحنا في زمن المسخ" وغير ذلك من جمل وعبارات صارت محفورة في الذاكرة،وأما معرفتى الشخصية بوحيد حامد الإنسان فقد بدأت في 2005 حين اجتمعنا في اللقاء التأسيسى الأول لجمعية مؤلفى الدراما برئاسة الراحل العظيم محفوظ عبدالرحمن وتم إشهار الجمعية والتى كان وحيد حامد أحد مؤسسيها وأحد داعميها، وبعد ذلك تعددت اللقاءات من أجل قضايا حق المؤلف والأداء العلنى ومشكلات الجمعية التى اعتذر عن رئاستها بعد وفاة محفوظ عبدالرحمن وذلك لظروفه الصحية مرشحًا صديقه الكاتب الكبير بشير الديك ليتولى هو تلك المهمة وكان الرجل حريصًا على المتابعة وبين يوم وآخر يهاتفنى معلقًا على آراء بعض الزملاء في"جروب" الجمعية،وكلما كنت أذهب لمجالسته في مكانه المعتاد على نيل القاهرة كانت تمتد بنا الساعات وهو يسترسل في حكاياته عن الفنانين العظماء الذين التقى بهم،وكم باح لى من ذكريات عن هؤلاء فكنت أنصت له بشغف المحب وأتعلم من ثنايا كلماته..رحمك الله يا أستاذى يا صاحب المواقف الصلبة، يامن قاتلت من أجل الوطن وكان سلاحك القلم فكان أكثر فتكا من البارود.
آراء حرة
وحيد حامد.. نجم السيناريو
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق