إلون ماسك أغنى رجل في العالم في أحدث ترتيب لأصحاب الثروة لديه معجبون ميتمون به ويتابعون حركاته وسكناته ولا يفوتون تغريدة له على مواقع التواصل الاجتماعي.
ولعل ما يستوقفني في شخصيته أننا أمام ظاهرة جديدة من رجال الأعمال ليس لديه الحرص المتعارف عليه في إبراز صورة مثالية ونمطية وإنما يعكس صورة فيها المزيج من "الكويس والوحش". والطريف في الأمر أن هذا المزيج هو ما يدفع بالمزيد من المعجبين إلى الانضمام إلى مملكته حيث يحصد حبهم ويُتوَج بطلا بلا منازع ينفذون تغريداته حرفيا.
ولعل سلوك المعجبين اللاهثين وراء المغردين يستحق الدراسة حيث تغيرت في السنوات الأخيرة توجهات الناس في اختيار أبطالهم وقدوتهم. ولم تعد تشدهم صورة القديس الصالح أبدا مثلما كان من قبل، ولا تجذبهم أيضا صورة "البزنس مان" الحديدي الذي لا يقهر. ما يستهويهم هو صاحب الخيال "من لحم ودم" يفكر بتميز وبشكل لا يشبه أحدا ويصيب و يخطىء ولكن المهم أنه يسافر نحو هدفه في جرأة بعيدا عن إحباطات الواقع ويصل إلى الهدف بفضل تصويبه لأخطائه رغم الصعوبات والانتقادات.
احتل إيلون ماسك في الأيام الماضية عناوين الأخبار بسبب تربعه على عرش الأثرياء في العالم بثروة قيمتها أكثر من 188.5 مليار دولار متجاوزا جيف بيزوس صاحب أمازون بنحو مليار ونصف المليار دولار. كما أثار أيضا الكثير من الجدل في أثناء ذلك بسبب تغريدة من كلمتين "مشفرتين" على تويتر، حيث أخبر ماسك متابعيه وعددهم 41 مليونا بـ "استخدام سيجنال". ولم يفسر أكثر من ذلك. الحقيقة أنه كان يقصد تطبيق محادثة "سيجنال" بديلا عن تطبيق "واتس اب". لكنَ كثيرا من متابعيه فسروها بشكل خاطىء وبحثوا في البورصة عن شركة بهذا الإسم فوجدوا شركة صغيرة إسمها "سيجنال أدفانس" تقدم خدماتها للعاملين في المجال الطبي ويتم تداولها خارج البورصة و اندفعوا في شراء سهمها الذي لم يكن سعره يتجاوز 60 سنتا فقفز إلى أكثر من 7 دولارات بنهاية يوم الجمعة الماضي، بارتفاع تجاوزت نسبته 1000%. وبسبب حشد الإقبال غير المقصود من المستثمرين على السهم، ارتفع الرأسمال السوقي للشركة خلال يومين من 55 مليون دولار إلى 660 مليونا. ولا يمكن إيجاد تفسير منطقي للثروة التي نزلت من السماء على الرئيس التنفيذي المحظوظ كريس هايمل إلا بأن "أمه دعت له في يوم جمعة"!
وهكذا، عندما يتوقف مؤسس شركة تسلا و"سبيس اكس" و"بايبال" عن إطلاق صواريخه إلى المريخ لبضع ساعات، فلابد من تفقده على تويتر وستجده حتما قد دخل في مشاجرات أو تورط في مشكلة قانونية مع منظم سوق الأسهم الأمريكية كجزء من حياته المذهلة "ذات الألوان الطبيعية".
ويتميز "ماسك" بالجرأة المدهشة ليس فقط لأنها تصنع نجاحا غير تقليدي وإنما لكونها تنم عن عقلية مختلفة وخيال يقفز إلى المستقبل ويتجول فيه وكأنما يعيشه فعليا. والطريف أنه لا يتحرج من أن يبدو معيبًا أو تُكال له الانتقادات أمام ملايين المتابعين لأنه يؤمن أن من يفكر كثيرا ويخطىء يتعلم من أخطائه ويستطيع أن يصوبها فيصنع الفرق. ماسك مثلا خسر أمواله بسبب ارتكابه لبعض الأخطاء في بداية حياته وهو في العشرين من عمره نتيجة إبحاره في الخيال بسرعات لا تناسب الواقع ولكنه بدأ من جديد واسترد أضعاف ما خسره بعد تصويب أخطائه؛ وهذا الأمر لم يقلل أبدا من كونه مبتكرا عبقريا نجح في إحداث طفرة في التكنولوجيا النظيفة لصناعة السيارات الكهربائية ودمج الذكاء الصناعي في العقول البشرية، كما أنه يسير في الطريق الصحيح الآن لإحداث طفرة كبيرة في مجال الطيران وتسيير رحلات للمريخ وساهم في دعم أبحاث وكالة ناسا للفضاء بنقل روادها للكوكب الأحمر من أجل بدء عملية تجعله صالحًا للسكن في نهاية المطاف. المهم في كل ذلك أنه يجري وراء خياله لركوب المستقبل وهو خيال قد نجده في مجلة أطفال تعود للسبعينات والثمانينات من القرن الماضي لكنها أصبحت حقيقة بمرور الوقت!
وهذا يقودنا إلى الدرس المهم للشباب خاصة من رواد الأعمال وهو أن يتحلوا بالجرأة ويبحثوا عن تغيير قواعد اللعبة وبناء طموحاتهم بسقف عالي يناطح "الخيال".. لأن النجاح ليس في إدخال تحسينات صغيرة على منتجات موجودة وإنما النجاح الحقيقي في تخيل منتجات جديدة تماما تحقق طفرة مدهشة في المستقبل!