في مكالمة قصيرة مع السيدة حرم الأستاذ رياض سيف النصر نائب رئيس تحرير الجمهورية، ومدير تحرير الأهالي الأسبق، رحمة الله عليه، لتقديم واجب العزاء عقب وفاته فجر الأربعاء ٦ يناير وبعد مواراة جثمانه الثري، قالت وهي تبكي، كانت وصيته عدم إقامة عزاء في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها البلاد بسبب فيروس "كورونا"، وخشية من أي تزاحم، ولكنها استدركت وقالت إن إخوته أصروا على إقامة عزاء في قريته.
ويبدو أن وصية أستاذنا رياض سيف النصر، تؤكد على الكثير من كتاباته عن زملائه الذين رحلوا والتي كثيرا ما كان عنوانها "إنهم يرحلون في صمت"، وبالفعل فقد رحل في صمت شديد، بعد رحلة كفاح في صاحبة الجلالة، وفي العمل السياسي، مع رفقاء كثر، بينهم الأساتذة الراحلون سعد هجرس، وصلاح عيسي، ونبيل زكي، وفتحي عبدالفتاح، وعدلي برسوم، وحسين عبدالرازق، و"فريدة النقاش، أطال الله في عمرها"، وغيرهم، والذين بدءوا حياتهم في صحيفة الجمهورية مع في تجربتها الأولى تحت رئاسة المرحوم الأستاذ خالد محي الدين.
أستاذنا رياض شخص من طراز خاص، ظل حتى آخر لحظة، متمسكا بمواقفه، في الدفاع عن المهمشين في مصر، خصوصا في ريف مصر، وواحد من أهم الصحفيين الذين جالوا في مصر بحثا عن هموم الناس في كل ربوع محافظات مصر، وبالتعبير الشرطي جال في قرى البلاد "كعب داير"، من أجل رفع صوت الفلاحين والعمال في كل قرية ونجع وعزبة، ونقل همومهم إلى المسئولين.
حاور رياض سيف النصر كل محافظي مصر على مدى عقود عدة، وصار محاور "المحافظين"، وحواراته لم تكن حوارات لنقل إنجازات المحافظ، وتاريخه، بل كانت مسارات مهمة لنقل هموم الناس في كل شبر من أرض مصر، بشفافية عالية، ودون مواربة، وكانت بمثابة مواجهات، تنقل باللحم والدم قضايا الناس، وهمومهم، وكأنه ينقل المهمومين إلى مكاتب المسئولين، ليضعوا لهم الحلول الفورية.
وفي ١٣ مقالا على صفحات جريدة الجمهورية "محاولة للفهم- "نصف قرن في بلاط الجمهورية"، رصد أستاذنا جزءا مهما من تاريخ الصحافة، وإن كانت المقالات في شكل سيرة ذاتية، إلا أنه كانت بمثابة تأريخ لفترة مهمة جدا من تاريخ هذا الصراع بين "السلطة الرابعة والساسة"، ومن يمثلونها، ورحلة كفاح من أجل بقاء الكلمة الحرة، والرأي والرأي الآخر.
مقالات رياض سيف النصر الـ١٣، رصدت دور نقابة الصحفيين في الدفاع عن حقوق الصحفيين، وحقهم في العمل، والحياة، والكلمة الحرة، وتناولت هذا الدور المهم للنقابة في وقت الأزمات، وتوضح مدى قوة النقيب ومجلس النقابة، وقدرتهم على حماية الصحفي، والتصدي لأي محاولة لكسر الصحفي، ومحاربته بقطع "عيشه"، وقصف قلمه، أو محاولة تجريدة من سلاح "القلم"، وهي بمثالة رسائل للنقباء من والنقابيين من الأجيال الجديدة.
وفي أحد مقالاته كتب عن حافظ محمود "لم يفرط حافظ محمود في كرامة المهنة.. سواء في العهد الملكي.. أو في زمن ثوار يوليو، وعندما كان رئيسًا لتحرير صحيفة السياسة، وطلب منه أحد الباشوات من الذين ينفقون على الصحيفة، بنشر مقال رفضه حافظ محمود.. غضب الباشا وقال: لن أغادر الصحيفة قبل أن ينزل المقال إلى المطبعة.. رد حافظ: والمقال لن ينزل.. ويجب أن تنزل أنت فورًا.. وطلب حافظ، الذي كان عمره وقتها ٢٧ عاما، الساعي ليأمره بإخراج هذا الباشا. الذي كتب مقالًا وهو لا يعرف شيئًا عن الكتابة".
ورغم الاختلاف السياسي بين رياض سيف النصر، وموسى صبري، كتب عنه "موسى صبري" هو "أستاذ أساتذة مهنة الصحافة" والوقائع تثبت أنه كان بمقدوره أن يقول للسادات: لا.. حدث ذلك عندما قرر الرئيس الهجوم على حزب العمل.. ردًا على المقالات النارية.. للدكتور حلمي مراد، ورغم أن كثيرين خصصوا صفحات في الصحف التي يترأسون تحريرها، إلا أن موسي رفض، مستخدما حجة أن حزب العمل لا يحلم بحملة للدعاية أكثر من ذلك، ولم يغضب السادات، وقال له: انت حر فيما تكتب.
مقالات أستاذنا رياض سيف النصر في السنوات الأخيرة من حياته، جزء من مقالات أخرى نشرها على صفحات جريدة "فيتو"، تستحق أن يتم تجميعها في كتاب يصلح أنه يتم تدرسيه على طلاب الإعلام، والشباب الجدد.
ويبقى أن أشير إلى درس مهم علمني إياه أستاذي رياض سيف النصر، عندما كان مديرا لتحرير الأهالي، وكنت مندوبا للجريدة في مجلس الوزراء، وكان أحد الوزراء يوفر لي تفاصيل اجتماع المجلس بدقة شديدة، وأكتبها بذات التفاصيل، فنصحني بالكتابة التقريرية، حتى لا أكشف مصدري.
ومن يومها اعتدت هذه الكتابة، التي أعفتني الكثير من الحرج.
رحمة الله عليك يا أستاذنا..