لماذا كل هذا الفزع من الموت؟ قلتها لصديقي ونحن نشيع جثمان صديق لنا.
ضحكت وقلت له: الناس يذكرونني في قريتنا بما كان يحدث في طابور المدرسة لدى الإعلان عن أسماء الطلبة المفصولين نظرا للغياب.
كنا في البداية نخجل من ذلك ويضع كل طالب منا يده على قلبه خوفا من أن ينادى اسمه فالفضيحة كانت تتخطى أسوار المدرسة وتصل إلى البيت حتما لا محالة لأنه كان لا بد من حضور ولي الأمر لإعادة القيد.
غير أننا بعد فترة بدأنا نتمنى أن تكون أسماءنا بين المفصولين بعدما فقدت المدرسة هيبتها وأهميتها وفقدنا نحن شغفنا بها مع تكدس الفصول واختفاء المعلم القدوة وإلغاء حصص الألعاب والتربية الموسيقية والتربية الفنية والأنشطة المدرسية وتحفيز المتفوقين.
هذه الحالة الأخيرة التي وصفتها للمدرسة ينطبق عليها تماما ما آلت إليه الحياة الآن.
أين الشغف يا صديقي؟
المفصولين منها فرحين جدا، أتعرف أن مشكلة الذين لم يفصلوا بعد هو إخفاء دفتر الغياب عنهم، لو كان الأمر متاحا لقيدوا أنفسهم غياب.
وماذا في الغياب يكدر يا صديقي؟ أسيكون هناك أسوأ مما هنا؟ محالة أن يكون ما خارج هذا السور أسوء مما داخله؟
ألا ترى يا صديقي أننا بتنا هنا بلا أصدقاء.. فقط أنا وأنت نتقابل في المآتم.
ألا ترى أننا بتنا كشجر بلا ظل ولا ثمر تباعدت بينه المسافات في صحراء شاسعة!.
كنا نحلم يا صديقي ونحن صغار بالتحليق.. بالحب.. بالمجد.. بالنجاح والآن أصبحنا ندهس كل شيء في سبيل القوت.. كنا نظن أن بإمكاننا الرفض ولم نكن ندر أن الحياة ستصفدنا بأغلال لا نهاية لها.. خلقنا فقراء يا صديقي.. والفقراء داخل الأسوار يقضون نهارهم يبحثون عن وجبة عشاء ليتلفحون بعدها بظلام الليل ويتسائلون ما جدوى أن تشرق شمس يوم جديد!.
لا عليك يا صديقي.. لا تخشى من نداء اسمك بين الغائبين فنحن في لحظة تساوى فيها الغياب مع الحضور.
لعلنا نجد هناك ما فقدناه هنا من أحلام، لعلنا نستطيع التحليق والتمني.. لعلنا هناك نجد أنفسنا ووجبة عشاء دون ذل الحاجة وعسرة الحسابات.
من مات عاش يا صديقي.. من مات عاش.