عدم التدخل في شئون الدول ليس مطلبا دفاعيا من بعض الدول التي تنتهك خصوصيتها وسيادتها بحجج مختلفة من بينها حماية حقوق الإنسان، بل إنه مبدأ من بين أساسيات وقواعد الشرعية الدولية وأكدت عليها كافة مصادر القانون الدولي العام على إنها مبادئ ملزمه للدول والأمم المتحدة وأقر من فقهاء القانون الدولي ورسخته المعاهدات الدولية وتناولته الأعراف الدولية.
ولكن منذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وجدت الإشكالية بين تطبيق هذه المبدأ وحماية حقوق الإنسان، ونشرح في هذا المقال ما هو المبدأ وتاريخه وقانونيته، ومتي يكون ملف حقوق الإنسان تدخل في شئون الدول وسيادتها ومتي يكون حماية لحقوق الإنسان.
هذا المبدأ ما هو إلا انعكاس لمبدأ السيادة الوطنية والذي تحول بسبب التطور الذي يعيشه العالم من مفهوم السيادة المطلقة إلى السيادة المقيدة.
بدأ ظهور والاهتمام بهذا المبدأ في منتصف القرن السابع عشر حتى نص عليه عهد عصبة الأمم في المادة (١٥\٨)، ثم انهارت العصبة وانتهت الحرب العالمية الثانية وتم إنشاء الأمم المتحدة فنص ميثاق الأمم المتحدة على مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول في المادة (٢\٧) ليكون هذا المبدأ من بين مبادئ أخري تنظم أساسيات القواعد الحاكمة والناظمة للعالم بعد الحرب العالمية الثانية.
كيف يعتبر مبدأ عدم التدخل من مصادر القانون الدولي
القانون الدولي له مصادر أصلية ومصادر ثانوية، المصادر الأصلية تتمثل في المعاهدات والأعراف والمبادئ القانونية العامة، أما الثانوية فتشمل القوانين الوطنية أي قوانين البلاد ذاتها وكذلك أقوال الفقهاء في القوانين الدولية العامة.
في البداية كانت الأعراف الدولية هي المصدر الأول المباشر في القانون الدولي العام ثم أصبحت المعاهدات هي من أحتلت هذه المكانة، والمعاهدات هي اتفاق دولي بين دولتين أو أكثر وهذا التعريف جاء في نص المادة الثانية في عام ١٩٦٩ باتفاقية فيينا.
مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول تضمنته كثير من المعاهدات الجماعية أو الثنائية، بداية من مشروع دول أمريكا اللاتينية ١٩٢٥ مرورًا بمؤتمر مكسيكو ١٩٤٥ الذي عرف وتوصل لتعريف مبدأ عدم التدخل ثم جاء في معاهدة الحلف الأطلسي في ٤ أبريل ١٩٤٩ في المادة الثانية وحتي جامعة الدول العربية قد أقرت المبدأ في ميثاقها في ١٠ مايو ١٩٤٥ والذي جاء فيه إنه يترتب على احترام سيادة الدول الأعضاء ألا يجوز التدخل في الشئون الداخلية لها، وكذلك جاء في المعاهدة التي أبرمت بين العراق وتركيا في ٢٤ فبراير ١٩٥٥ والتي تم التعهد فيها من كل طرف على الامتناع عن التدخل في الشئون الداخلية للطرف الأخر، لذلك فإن مبدأ عدم التدخل من أهم المبادئ الأساسية في القانون الدولي.
أما الأعراف الدولية والتي تعني العادات الدولية المرعية وتعتبر بمثابة قانون في المادة ٣٨ في النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، وبالطبع لها شروطها لكي تعتبر عرفًا، ومن بين الأعراف التي أقرت مبدأ عدم التدخل إعلان حقوق وواجبات الدول في الأمم المتحدة في المادة الثالثة والذي نص "يجب على كل دولة أن تمتنع عن كل تدخل في الشئون الداخلية والخارجية لدولة أخري " وكذلك جاء في قرار الأمم المتحدة رقم ٢٦٢٥ والذي أصدر في أكتوبر ١٩٧٠ وكذلك ميثاق حقوق وواجبات الدول الاقتصادية في ديسمبر ١٩٧٤ والذي نص "لكل دولة الحق السيادي والطبيعي في اختيار نظامها الاقتصادي وفقًا لإرادة شعبها دون تدخل أو ضغط خارجي أيًا كانت صورته "، أما في المصادر الثانوية للقانون الدولي فقد أقر مبدأ عدم التدخل في قوانين ودساتير الكثير والكثير من الدول.
مبدأ عدم التدخل وحقوق الإنسان
منذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وبعد الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك الكتلة الشرقية تدخلت الأمم المتحدة في شئون الدول لأغراض إنسانية وتزايد هذا التدخل، فكان هذا التدخل محل خلاف بين فقهاء القانون الدولي من منطلق مبدأ عدم التدخل.
فريق أقر بأن التدخل في شئون الدول لأغراض إنسانية مثل حماية حقوق الإنسان تدخلات غير شرعية ومخالفة لنص المادة (٢\٧) في ميثاق الأمم المتحدة وأن هذا الميثاق لم يخول لمجلس الأمن التدخل لحماية حقوق الإنسان وإنما دوره هو المساعدة في تحقيق حماية حقوق الإنسان.
وفريق أخر قد رأي أن حماية حقوق الإنسان والتدخل في هذا الشأن في الدول بالمساعدة في توفير الحماية لمواطني دولة ما لم تراعي أن سيادتها تبني على العدل والمساواة.
وفريق أخر أقر أن التدخل الدولي لحماية حقوق الإنسان شرعي ورد فعل ملازم لأي انتهاك صارخ لحقوق الإنسان.
لذلك فأنها وجهات نظر بين الفقهاء في أحقية الأمم المتحدة في التدخل في الشئون الداخلية للدول بهدف حقوق الإنسان.
والسؤال الآن متي يكون التدخل بحجه حقوق الإنسان مقبول ومتي يكون غير مقبول ويحق للدول أني تقاضي دول أخري من منطلق مبدأ عدم التدخل الذي أقره كل مصادر القانون الدولي.
يحق للدول من خلال الأمم المتحدة والاستعراض الدوري الشامل أن توصي الدول الأخرى وتسطر ملاحظاتها عن أي انتهاك لحقوق الإنسان، دون أي إلزام يجبر الدول أو يعاقبها إذا خالفت التوصيات، فنصوص مواثيق الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الإنسان مجردة من أي قيمة قانونية، لكن للدول الحق في متابعه ورصد الانتهاكات ووضع وإلقاء التوصيات للدول وهنا في محفل الأمم المتحدة لا يعد تدخل في الشئون الداخلية.
لكن على صعيد أخر وبالتطبيق على الدولة المصرية نجد أن ما تقوم به بعض الدول يعد انتهاك صارخ لمبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول، فتمويل تنظيمات إرهابية وإيواء معارضين وفتح أبواق إعلامية لهدم دول أخري انتهاكات يعاقب عليها القانون الدولي ويحق للدولة المصرية أن تقاضيهم في المحاكم الدولية، والقانون في صالح السيادة المصرية، لذلك ما أوصي به الدولة في التحرك هو القضاء ومقاضاة أي دولة انتهكت السيادة المصرية وتدخلت في الشئون الداخلية، فالقانون هو الدرع والسيف لحماية الحق.