الخميس 21 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

لا يوجد شيء اسمه الفن

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من المؤكد أنك قد شاهدت كثيرا أعمالا فنية ولم تلق لها بالا، وربما جردت منها صفة الفن. لكن هل جربت أن تضع تعريفا واضحا لـ"الفن" الذي تدرج تحته أعمالا وتسحبه من أخرى؟
طيب. هل تعرف أنه لا يوجد في الحقيقة شيء اسمه الفن؟ نعم. لا يوجد في الحقيقة شيء اسمه الفن، بل يوجد فنانون فحسب.
هل تعلم أن الفن بمعناه المجرد قد يتحول إلى صنم وأنك من خلاله قد تحطم فنانا إذا أخبرته أن ما صنعه شيء جيد تماما، إلا أنه ليس "فنا".
وقد يرتبك أحدهم وهو يتأمل لوحة إذا صرحت أن ما أعجبه فيها لم يكن "فنانا"، بل شيئا مغايرا.
إذن لماذا تعجبنا أعمال فنية وأخرى لا تعجبنا على الإطلاق للدرجة التي تدفعنا بجرأة وقسوة في نفس الوقت أن نخرجها من تحت مظلة "الفن". ونعطيها أسماء وصفات أخرى قد تكون جيدة في مجملها لكننا نرفض أن نعطيها الشرعية. شرعية "الفن"؟
في الواقع إرنست غومبرتش يجيب على هذه التساؤلات إذ يقول: في واقع الأمر، لا أظن أن للإعجاب بتمثال أو بلوحة أسبابا خاطئة. قد يُعجب أحدهم بلوحة منظر طبيعي لأنها تذكره بمسقط رأسه، وقد يُعجب بلوحة لأنها تذكره بصديق. ليس في ذلك أي خطأ. فكلنا حينما نرى لوحة نتذكر مئة شيء وشيء تؤثر في ما نحب وفي ما نكره. وما دامت هذه الذكريات تساعدنا على التمتع بما نرى، فلا ضرورة للقلق. ونحن لا نحتاج إلى البحث عن سبب النفور الذي يُفسد متعتنا التي كان يمكن أن نشعر بها في ظرف آخر، إلا حين تجعلنا ذكرى غير متصلة بالموضوع نتحيز، حين نُعرض بالفطرة عن لوحة منظر جبلي لأننا نكره التسلق. إن هناك أسبابا خاطئة للنفور من عمل فني.
يقول غومبرتش وهو محق في ذلك تماما أن الناس يحبون أن يشاهدوا في اللوحات ما يحبون مشاهدته في الواقع. وفي هذا إيثار طبيعي تماما، فكلنا نحب الجمال في الطبيعة، ونقر بالجميل للفنانين الذين حفظوه في أعمالهم.
دلل غومبرتش على ما يقول بعدة نماذج لفنانين مشهورين ولهم قيمتهم الرفيعة من أمثال الفنان الفلمنكي "روبنز" الذي رسم ابنه الصغير. وإن من مظهره الجميل في اللوحة أرادنا الفنان أن نُعجب نحن أيضا بالطفل.
لكن ميلنا إلى كل ما هو جميل وجذاب قد يصبح عائقا إذ يفضي بنا إلى رفض أعمال أخرى تمثل موضوعا لا يعجبنا.
إن مشكلة الجمال كما يراها تكمن في أن الأذواق والمعايير المتعلقة به تختلف كثيرا. وأن ما يصح عن الجمال يصح عن التعبير أيضا. إن تعبير الشكل في اللوحة هو الذي يجعلنا في الواقع نحب أو نكره العمل في أكثر الأحوال. وإن بعض الناس يحبون التعبير الذي يسهل عليهم فهمه، وبالتالي يهز مشاعرهم. وإننا إذا عدنا إلى القرن السابع عشر عندما رسم غويدو ريني رأس المسيح على الصليب نجد أنه كان يقصد بلا شك أن يجد المشاهد في هذا الوجه كل آلام المسيح المبرحة وكل عظمتها.
يقول غومبرتش إن الناس في القرون التالية استمدوا القوة والراحة من هذا التصوير للمُخلص. فالشعور الذي يُعبر عنه قوي وواضح بحيث أن نسخا من هذا العمل يمكن أن توجد في المزارات وفي منازل مزارعين، حيث لا يعرف الناس شيئا عن "الفن".
لكن هذا لا يعني أن أعمالا أخرى عن نفس الموضوع (المُخلص) أقل جمالا أو قيمة وأهمية. ورغم أن الناس يفضلون اللوحات الأكثر واقعية ولا يزعجهم الرسم المجمل أو التخطيطي لكنهم ينفرون أكثر من الأعمال التي يرون أن طريقة رسمها غير صحيحة. وهم ينسون أن كل ما شاهدوه في أفلام ديزني وغيرها من رسومات للشخصيات جاء على نحو مختلف فميكي ماوس لا يبدو شبيها جدا بالفأر الحقيقي.