لا شك أن العلاقات الأمريكية الإيرانية سرعان ما انقلبت بعد الثورة الإيرانية للنقيض - وكان ثمن ذلك ضياع العراق...
فبعد تصاعد أحداث الثورة وحرق المتظاهرين الإيرانيين للسفارة الأمريكية وترديدهم هتافات الموت لأمريكا وقطع العلاقات التامة بين البلدين ..
استغلت الإدارة الأمريكية علاقتها بالعراق وورطتها فى حرب مع جارتها إيران استمرت نحو ثمانى سنوات، خلفت نحو مليون قتيل وخسائر مالية قدرت بنحو 400 مليار دولار أمريكى!
ليخرج الشعب العراقى من تلك الحرب، أو بالأحرى من ذلك الصراع الدائر بين أمريكا وإيران مديونًا منكوبًا بعدد قتلى مهول لم يترك بيتًا واحدًا دون قتيل أو مفقود.
تحرك العراق في هذا الوقت العصيب جراء تكبده للكثير من الخسائر الباهظة وبايعاز من أمريكا نحو غزو الكويت وكان هذا التحرك يرتكز على محورين أساسيين:
أولا:لقناعتها الداخلية بأن الكويت لا تعدو غير محافظة عراقية سبق وأن استقلت عن تبعيتها للجمهورية العراقية .
ثانيا:لتعويض خسارتها المادية جراء حربها الطويلة مع الجانب الإيراني ..
واليوم كلما طالعت وسائل الإعلام لمعرفة آخر تطورات الصراع الأمريكى الإيرانى، لا أجد سوى دماء العراقيين، وخراب بيوتهم وتشريد أسرهم وقصف وهدم مدارس ومستشفيات العراقيين، كأن قدر العراقيين هو دفع ثمن خلاف الولايات المتحدة الأمريكية مع طهران، بعد علاقات دفء حميمة بين البلدين، انتهت فى أعقاب الثورة الإيرانية 1979 ..
إن الأزمات التي تأججت في قبل ذلك بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية ليست سوى حلقة جديدة في تاريخ لا يحصى من الأزمات، كان العراق أهم مسرح لاحداثه منذ أكثر من أربعين عاما ..
و رغم الصخب والضجيج، والتهديدات المتبادلة مؤخرا بحرب ضروس في المنطقة، فإنني لا أجزم بوقوع حرب رئيسية، تخوضها واشنطن ضد طهران؛ ليس لأن هذه الحرب، ستخاض في منطقة تعتبر الأهم من حيث اختزانها مصادرَ الطاقة فقط ..
ولكن لأن شن هذه الحرب، سيشكل خطراً على مصالح الولايات المتحدة ذاتها، وسيتسبب في اختلال التوازن الدولي لصالح روسيا الاتحادية، غريمة أمريكا العسكرية.
وهذا بدوره سيهدد بشكل جدّي سلامة المنطقة العازلة بين الدب القطبي والمياه الدافئة بالخليج العربي.
فللمرة الأولى منذ انتصار الثورة الإيرانية قررت واشنطن قلب الطاولة بوجه طهران، وغادرت المساحة الرمادية التي استخدمتها لربط النزاع معها والتي نجحت في الحفاظ على علاقة مريبة بين البلدين على مدى 40 سنة، استطاع خلالها الطرفان تجاوز الأزمات وتجنب المواجهة المباشرة، بعدما تمسكا بما يمكن تسميتها "شعرة معاوية̔" التي على ما يبدو أن إدارة البيت الأبيض لم تعد متمسكة بها، وحذّرت طهران من أن خياراتها الاستراتيجية قد تبدلت".
على الرغم من سقف الخطابات الإيرانية الذي بات عاليا ..
فهل آتت الضغوطات الأمريكية أكلها، ذلك عبر التضخم الاقتصادي الذي تشهده البلاد، فضلاً عن الغلاء الفاحش الذي طال بعض السلع ولا يزال يدنو من البعض الآخر؟
وفق المعطيات فإن أمريكا لم تُقدم على تجربة عسكرية بعد تلطخ سمعتها في حربها التي شنّتها في أفغانستان والعراق.
فهل تلجأ إلى السلاح الاقتصادي الذي هو الخيار المرحلي الوحيد أمام الرئيس الجمهوري المتخبط؟