وفاءً للمفكر الراحل وحيد حامد ولكل ما قدمه خلال رحلته الطويلة للثقافة المصرية أُطلق هذا النداء بعالي الصوت للمخرجة السنيمائية ساندرا نشأت التى تشبه الدينامو كثيرًا في حركتها.
ليس لأن فيلمها الجديد (الصحبة الحلوة) الذى تستعد لإخراجه واحدًا من إبداعات السيناريست الأبرز وحيد حامد، لكنه الشعور بنوع من الخوف وربما ترقب حالة الفراغ أو بالأحرى اللا أمل في بقاء السينما المصرية رائدة ولو بفيلم وحيد يشار إليه بالبنان يخرج إلى النور مرة كل عام.
صحيح أن السينما المصرية تعانى منذ فترة واحتلت الأفلام الهابطة المساحة الأكبر، غير أن الأمل في عمل ينجزه أحد الكبار كان قائما دائمًا.
لكن الساحة تفرغ شيئًا فشيئًا والألم الذى خلفه رحيل كاتب وسيناريست بوزن وحيد حامد يضرب جنبات السينما والفن المصرى بأسره؛ ليس فقط حزنًا على رحيل الرجل وإنما خوفًا من حالة الفراغ.
نعم ستعيش كل أعمال وحيد حامد من الراقصة والسياسى إلى الإرهاب والكباب وطيور الظلام ورائعته النوم في العسل، إلى المسلسل الذى فضح خبث جماعة الإخوان أمام المشاهد المصرى والعربى وهو مسلسل الجماعة؛ نعم ستبقى هذه الأعمال حية فينا وإلى الأجيال القادمة لكنها ستظل جزءًا من تراثنا؛ وكل الخشية ألا يجدد هذا التراث ويضاف إليه، فمن رحلوا لم يأت مثلهم.
وحيد حامد لم يكن مجرد كاتب سيناريو، بل مفكر من طراز رفيع استطاع أن يصيغ أفكاره وفلسفته في جمل سينمائية بوزن الكتب وإن كانت أسرع في الوصول والتأثير وقد استطاع خلق حالة إبداعية أثرت السينما والدراما، بل والحياة السياسية والثقافية والفنية المصرية.
قبل رحيل وحيد حامد ببضع ساعات شاهدت للمرة الرابعة ملاكى إسكندرية رائعة ساندرا نشأت السينمائية، القدرة على الاستمتاع بكل عناصر الفيلم زادت والوعى بتفاصيله الفنية كان أعمق من المرة الأولى التى سبقت هذا التاريخ بنحو 15 عاما في عرضه الأول حينها كتبت مقالًا بعنوان (ملاكى إسكندرية بطعم ساندرا نشأت).
كان ذات الطعم الذى تذوقته مع مبروك وبلبل، لكن الجديد أن طريقتها في ترتيب المشاهد مع الموسيقى التصويرية جعلتنى أستوعب الحركة ومشاهد المطاردة وكأنى أراها دون استعانة بمرافق؛ في المشاهدة الأولى بشرت المكفوفين في مصر بأننا أصبحنا نملك مخرجة سنيمائية ملاكى أفلامها لا تحتاج إلى مرافق يزعج جمهور السينما بشرح مشاهدها.
ساندرا نشأت تشبه الدينامو أغلب أعمالها تتميز بالحيوية والحركة والنشاط بين تصاعد الأحداث وتواتر المشاهد، هى على أى حال لديها قدرة على خلق حالة من تلك الحالات التى تثرى الحركة الفنية.
تسعة أفلام تقريبًا هى محصلة إبداعات ساندرا على مدى ما يزيد على ربع قرن، لا عذر لها إن تعللت بنظرية الكيف على حساب الكم، ليست بطيئة الحركة كغيرها، هى شابة تملك طاقة وحيوية فوق المعتاد وتستطيع تقديم الكثير كمًا وكيفًا، وهذه المسئولية تقع على عاتقها هى ومن مثلها.
لمن سيترك نهر الثقافة والفن؟!، لسنا كغيرنا من الشعوب المحيطة قد ننتج نوعًا واحدًا من الفنون والآداب، نحن شعب لديه احتياج دائم لإنتاج واستهلاك مختلف أنماط الثقافة وأشكال الفنون للحفاظ على هويته وتجديدها، كون الثقافة والفن أحد أهم روافد صياغة وتحديث هذه الهوية.
لذلك لن يبقى النهر فارغًا، والتخلى عن المسئولية سيفتح مجراه أمام طوفان أغانى المهرجانات وسينما الكباريهات ودراما بير السلم.
نعم هذا انحياز لكنه موضوعى لأنه تحيز لموهبة وتجربة فنية مكتملة في عقل ساندرا نشأت غير أنها لم تكتمل بعد بالنسبة للجمهور في الواقع السنيمائى لقلة أعمالها.
هو تحيز مشابه لانحيازى للمطرب الشعبى محمود الليثى الذى أعلنت عنه في هذه الزاوية قبل أسابيع لاعتقادى أنه قادر بحنجرته الذهبية على إعادة صياغة الأغنية الشعبية وإنقاذ سمعتها.
لدينا مواهب فنية متعددة بين ممثلين موهوبين لكن يفتقدون القدر المقبول من الثقافة والوعى، وآخرين على درجة عالية من الثقافة والاستنارة ولدينا أيضًا كتاب سيناريو على مستوى عالى فقط يحتاجون لمن يفتش عنهم بعيدًا عن أى حسابات غير الفن، وساندرا ومن مثلها وهم للأسف قلة يستطيعون استعادة الوجه المضئ للسينما والفن المصرى لكنها أيضًا تحتاج إلى بيئة ملائمة تدرك دور الفن وقيمته وقدرته على التأثير في مجتمع له سمات المجتمع المصرى بيئة ترتفع بسقف الإبداع إلى أعلى مستوى تقبله قيم المجتمع وتتطلبه حاجة التغيير والتطوير.
الوفاء لوحيد حامد يقتضى استكمال مسيرته بعودة مكثفة لساندرا نشأت وغيرها بإبداعات تلبى متطلبات هذا العصر.