تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
يتغذى الإرهاب على جو من الخوف وعدم الطمأنينة، ولكي تصل الجماعات الإرهابية إلى أهدافها يجب أن يتم نشر أنشطتها، وللسمة الانعزالية التي تتسم بها الأنشطة التي تقوم بها هذه الجماعات فهي تبحث دائمًا عن جذب انتباه وسائل الإعلام والمحافظة عليه والذي عن طريقه يكون الجسر إلى الجمهور وبذلك يحصلون على الأهمية، ولكن هل القليل من الانتباه سيؤدى إلى قليل من الإرهاب؟ هل على وسائل الإعلام أن تتجاهل الصراع الذي يُحدثه الإرهاب لكي ترغم هذه الجماعات على البحث عن وسائل مشروعة غير العنف لتحقيق التغيير المطلوب ولطرح وجهة نظرها؟ لمعرفة كل ذلك لا بد أولا من تعريف وتفسير الإرهاب.
وقد عرّفت الأمم المتحدة الإرهاب على أنه نوع من التطرف العنيف، وأن هذا التطرف هو السبب الأساسي للإرهاب وهو ظاهرة لا تقتصر على جنسية معينة أو على نظام عقائدي معين، ومع ذلك فإن جماعات إرهابية مثل "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) أو تنظيم "القاعدة" وجماعة "بوكو حرام" قد شكلت في السنوات الأخيرة ملامح تصورنا للتطرف العنيف، وحددت معالم النقاش المتعلق بكيفية التصدي لهذا التهديد ورسالة التعصب الذى تبثها هذه الجماعات كان لها عواقب وخيمة في العديد من دول العالم. وقد تمكنت هذه الجماعات من تجنيد 30 ألف مقاتل إرهابي أجنبي ينحدرون من أكثر من 100 دولة للتوجه لسوريا والعراق واليمن وليبيا، ويبرز مجلس الأمن في قراره 2178 (2014) الصلة بين التطرف العنيف والإرهاب، وأنه لا بد من التعامل مع التطرف العنيف الذي يُفضى إلى الإرهاب، وتتناول إستراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب التي اعتمدتها الجمعية العامة بالإجماع بموجب قرارها 28880 مسألة الوقاية وركائزها مثل معالجة الظروف المؤدية للإرهاب، ومنع الإرهاب ومكافحته، وبناء قدرات البلدان في مكافحة الإرهاب.
وتفسر الأمم المتحدة الإرهاب في سياق التطرف العنيف على أنه ناتج قلة الفرص الاقتصادية الاجتماعية، التهميش والتمييز، سوء الإدارة، النزاعات طويلة الأمد، والنزاعات التي لم يتم تسويتها، وانتشار الفكر المتشدد في السجون. وتلخص الأمم المتحدة أسباب اعتناق الفكر المتشدد وفقا للجماعات الإرهابية الحديثة أنه ربما يكون بسبب صدمة نفسية أو فقد أحد الأقارب على يد قوات الأمن أو الفشل في حصول على قرض، كذلك تدنى مستوى التعليم.
وقد شاركتُ مؤخرًا في مناقشة رسالة دكتوراة مهمة للباحثة خلود محمد صبري السواح المدرس المساعد بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة الزقازيق بدعوة كريمة من د. محمد سعد إبراهيم عميد المعهد الدولي العالي للإعلام بأكاديمية الشروق والمشرف على الرسالة، ويطيب لي في هذه السلسلة من المقالات طرح رؤية الباحثة لحرب الدولة المصرية على الإرهاب، وهى حربٌ ما زالت مستعرة لم ينطفئ لهيبها بعد، وفي أوج هذه الحرب هناك مَن يحاول تشتيت انتباه الدولة المصرية لقضايا فرعية، بغرض كسرها في هذه الحرب التي تخوضها الدولة المصرية بالوكالة عن كل دول العالم المتحضر، التي تحميها الدولة المصرية بعدم تصدير الإرهابيين والمهاجرين غير الشرعيين إلى شطآنها على الطرف الآخر من البحر المتوسط..!.
ظهرت خطة الجماعات الإرهابية في مصر بعد خروج كوادرهم من السجون في أوائل الثمانينيات؛ حيث اغتيل الرئيس السادات عام 1981 في عرض عسكري على يد خالد الإسلامبولى الذى حكم عليه لاحقا بالإعدام رميًا بالرصاص عام 1982، وبدأت مرحلة الصراع بين الجماعات الإرهابية والأجهزة الأمنية في مصر خصوصًا تنظيميْ "الجماعة الإسلامية" و"الجهاد".
في هذه الفترة تدفقت على مصر خلايا العائدين من أفغانستان والذين قد تم إرسالهم في بعثات من قادة الجناح العسكري للتدريب والتمهيد لقيام ثورة شعبية مسلحة، كانت هذه الفئات مدربة على مستوى عالٍ في مجال حرب العصابات والاغتيالات والتفجيرات، وكانت أولى عملياتهم مقتل الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب ظنًا منهم أنه اللواء عبدالحليم موسي وزير الداخلية، بعد هذه الحادثة اهتمت تلك الخلايا باغتيال ضباط أمن الدولة والهجوم على المنشأة السيادية لضرب اقتصاد النظام والضغط بورقة الأقباط وإحباط النظام عالميًا.
وفى التسعينيات بدأت بتنفيذ خطتها على جميع مستوى وأنحاء الجمهورية وفي جميع المحافظات من الدلتا للصعيد؛ حيث قامت بتصفية بعض الضباط منهم اللواء رءوف خيرت، وتصاعدت حدة العمليات منذ عام 1993، حيث تم رصد 8 حوادث ضد السائحين منها قنبلة على أتوبيس سياحي وانفجار بمقهى وادى النيل، كما فجروا قطارًا سياحيًا وتوالت العمليات ضد السياحة في مصر، ووصلت إلى ذروتها في العام 1997 بحادثة الدير البحري، والتي أطلقت عليها الصحافة مذبحة الدير البحري والتي راح ضحيتها 78 قتيلًا أجنبيًا و4 مصريين.
ولم ينج الأقباط من هذه العمليات حيث شهدت فترة التسعينيات 100 حادثة متفرقة حيث وصل الأمر أحيانا إلى فكرة إقامة الحد عليهم، وكان ذلك ذروة السلوك الإجرامي لهذه الجماعات، ففي العام الذى اغتيل فيه الرئيس السادات أصدر عمر عبدالرحمن مفتى تنظيم الجهاد في مصر فتوى تشجع على سرقة وقتل الأقباط من أجل الحصول على تمويل للجماعة. ومن هنا بدأت العمليات الإرهابية ضد الكنائس والمسيحيين، ووصلت الحوادث إلى 48 حادثة فقط ضد الكنائس.
وبعد وفاة الرئيس السادات فتح الرئيس مبارك صفحة جديدة مع الإخوان وراحت الجماعة تتوغل في المجتمع المدني بمصر بأحزابه ونقاباته وبرلمانه، إضافة إلى الاتحادات الطلابية وفى الوثيقة التي عرفت بوثيقة "التمكين "بعد مؤتمر تركيا 1993 ظهرت النوايا الأساسية للجماعة، ومن بنودها: الانتشار في طبقات المجتمع والقدرة على تحريكها، والانتشار في المؤسسات الفاعلة ويقصدون بها الجيش والشرطة، والتفاعل مع القوى الأخرى والاستفادة من البعد الخارجي. ومن أخطر ما جاء في وثيقة التمكين "إن المحافظة على الحالة من التمكين التي يصل لها المجتمع يتطلب ضرورة امتلاك القدرة على إدارة الدولة لمواجهة احتمال اضطرانا لإدارة الدولة بأنفسنا، ولذلك لا بد من الاستعداد لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية وامتلاك الإمكانات اللازمة لتحقيق هذه الرؤية".
وهو ما يفسر الخطط الانقلابية التي كان ينوى الإخوان بها امتلاك الحكم في مصر، كذلك دورهم السلبي بعدم التعليق على الأحداث العنيفة التي تعرضت لها مصر في تلك الفترة، وهو ما كان مثار تساؤلات خصوصًا بعدما تعاملت معه في أحد التصريحات على أنه صراعٌ بين طرفين، ولم تُجرّم هذه الأحداث ضد الأبرياء.