لا شك أن جائحة كورونا قد أحدثت تغييرا كاملا في وضع وشكل الخدمات المالية الرقمية، ولعل ذلك ماقد يكون سبب قوي في أن يؤدي الشمول المالي الناتج عن الخدمات المالية الرقمية إلى إعطاء دفعة للنمو الاقتصادي، وذلك في إطار انه من المتوقع أن يزداد الاعتماد على هذه الخدمات بسبب تداعيات الموجه الثانيه من جائحه كورونا، وهو ما تطلب من القطاع المصرفي في مصر اتخاذ عدة إجراءات مع بدايات الجائحه منذ مارس الماضي، وذلك لضمان تحقيق أقصى درجات الشمول المول الرقمي بما يمكن من مواجهه تداعيات جائحه كورونا الاقتصادية السلبية.
وقد ساعد التحول نحو تفعيل الخدمات المالية الرقمية في السوق المصرفي المصري على تعزيز الشمول المالي، وهو ماكان سببا في ظل جائحه كورونا في مساعده الكثير من الأسر محدودة الدخل والشركات الصغيرة التي تمتلك فرصا محدودة في الاستفادة من خدمات المؤسسات المالية التقليدية، وفي إطار التوجه نحو الإغلاق والتباعد الاجتماعي لمواجهه جائحه كورونا- تزايد استعمال الخدمات المالية الرقمية على غرار ما حدث مع وباء سارس في عام 2003، وهو ماكان دافعا قويا نحو تعجيل الصين بإطلاق وسائل الدفع الرقمية والتجارة الإلكترونية في ذلك التوقيت.
وتتفوق قارتا أفريقيا وآسيا في إنجاح مسيرة الشمول المالي الرقمي، ولكن مع تفاوت كبير بين الدول في كل منهما، ففي أفريقيا تأتي في الصدارة كيميا وأوغندا، هذا على النقيض من دول أمريكا اللاتينية حيث إن استخدامها للخدمات المالية الرقمية أكثر محدودية، ويرجع السبب في ذلك إلى الارتفاع النسبي في مستوى انتشار البنوك، وهو الحال في شيلي وبنما، وفي دول اخري حدث تتطور في استخدام خدمات الدفع الرقمي، ومن عام 2015 إلى 2017، حدث تضاعف في قيمة الإقراض المباشر من السوق الإلكترونية، وهو مايمثل حلقه الوصل بين المقرضين والمقترضين مباشرةً باستخدام منصات رقمية، ألا أن تلك الماليه لا تزال مركزه حتى الآن في الصين والولايات المتحدة، ألا أنها بصدد ان تزداد عبر أنحاء العالم، كالهند على سبيل المثال.
ولا شك أن الأهم نحو ضمان تحقيق أدوات ونظم الدفع الإلكتروني فعاليتها هو ضمان استمرار التنافسية الكافية في مجال التكنولوجيا المالية، وكذلك ضرورة التعجيل بإنشاء أطر للحوكمة تلتزم بها شركات التكنولوجيا المالية الكبيره، هذا بالإضافة إلى أن تحقيق الشمول المالي وتعزيز نجاحه يستلزم القدرة على الوصول الرقمي للخدمات المالية الرسمية واستخدامها من قبل السكان غير المشمولين ماليًا، بحيث تكون هذه الخدمات مناسبة لاحتياجات العملاء، وتقدم بطريقة مسئولة ومستدامة وبكلفة مقبولة ضمن إطار تشريعي وقانوني ملائم، ولعل ذلك مايسعي البنك المركزي المصري نحو تحقيقه وبحرفيه، ولعل ماقد يدعم نجاح الشمول المالي الرقمي هو أنه يمكن من تقليل الاعتماد على طرق التمويل والخدمات المالية التقليدية، كما أنه يغطي نطاقًا جغرافيًا أوسع، بما يساعد على تقديم الخدمات المالية بصورة أسرع وأكثر كفاءة، وبتكلفة منخفضة، وبالتالي يزيد من فرص النفاذ إلى الخدمات المالية للفئات غير المشمولة ماليًا.
وتشير تقديرات الدراسات الصادره عن صندوق النقد الدولي - وجود 1.7 مليار شخص بالغ حول العالم لايملكون حسابات مصرفية، من بينهم 1.1 مليار لديهم هواتف محمولة، وهو ما يمثل فرصةً خاصة للدول النامية للاستفادة من التوسع في استخدام الهاتف المحمول في النفاذ إلى الخدمات المالية، كما تشير تلك التقارير أيضآ إلى التأثير الإيجابي للشمول المالي الرقمي على الأداء الاقتصادي، فعلى سبيل المثال يُمكن أن يساعد الشمول المالي الرقمي على تعزيز الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 6 في المائة وتحقيق مكاسب يبلغ مجموعها 3.7 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2025، كما تؤدى كل زيادة بنسبه 1 في المائة في عدد السكان الذين يستخدمون الهاتف المحمول في معاملاتهم المصرفية حسب التقديرات إلى تحسين دخل الفرد بنحو 0.3 في المائة، وعلي سبيل المثال أيضآ تسعي الدول العربية إلى تسهيل نفاذ 63 في المائة من السكان البالغين إلى الخدمات المالية، والمؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، ولذلك تركز الدول العربية على الاستفادة مما تتيحه التقنيات الحديثة من فرص لزيادة الشمول المالي من خلال التوسع في تقديم الخدمات المصرفية والمالية عبر الشبكة الإلكترونية والهاتف المحمول، وفي ضوء التنامي العالمي لأهمية التقنيات المالية الحديثة ودورها في زيادة الشمول المالي، فأنه أصبح من الضروري لضمان نجاح الشمول المالي وتعزيز أساليب الدفع الإلكتروني ونظمه- فإن ذلك يستلزم دعم البنية التحتية الرقمية والمالية، وتبني إطار تنظيمي ورقابي داعم للشمول المالي الرقمي، وتبني بيئة داعمة لمزودي الخدمات المالية الرقمية، والتركيز على زيادة مستويات الثقافة الماليه للمواطنين.
ولعل توجه الدوله المصرية نحو تعزيز ودعم الشمول المالي ونشر ثقافة التوجه نحو أنظمه الدفع الإلكتروني، فإنها وضعت استراتيجه وإطار يعتمد على قراءه صحيحه للسوق المصرفي المصري في إطار رؤيه مصر للتنميه المستدامة 2030، ولعل ذلك ماكان سببا قويا ورئيسيا لنجاح تجربه الدوله المصرية في التوجه نحو تعزيز استخدام أنظمع الدفع الإلكتروني وتدعيم الشمول المالي.
* رئيس مجموعة المتابعة والرقابة على الائتمان والاستعلام والمعلومات الائتمانية بالبنك الزراعي المصري.